قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس،أمس، تشريحا معمقا لمسيرة حركة "فتح" بانتكاساتها وانتصاراتها وأيضا أخطائها التي ميزت مسيرتها طيلة العقدين الأخيرين تاريخ عقد آخر مؤتمر لها في العاصمة التونسية. وأعطى الرئيس الفلسطيني في خطاب مطول فاقت مدته الساعتين أمام أكثر من 2300 مندوب عرض حال مطول لوضعية الحركة من حيث معوقات تسييرها التنظيمي وما يجب القيام به مستقبلا بالإضافة إلى مواقفها ازاء الكثير من القضايا الداخلية والخارجية ذات التأثير المباشر على مكانة الحركة ودوره". وأكد الرئيس محمود عباس في خطابه أن توقيت عقد هذا المؤتمر الذي حمل اسم الرئيس ياسر عرفات مؤسس حركة فتح لم يكن صدفة بل كان محسوبا لأن يعقد في يوم ميلاد الرئيس الراحل ياسر عرفات وفي نفس اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر الخامس قبل 20 عاما". وكان الرئيس الراحل الغائب الحاضر في جلسات هذا المؤتمر بتساؤلات حول ملابسات موته بعد اتهامات رفيق دربه محمود القدومي "أبو اللطف" الذي اتهم محمود عباس بالتورط في اغتياله، اتهام لم يمنع هذا الأخير من الدعوة إلى معرفة أسباب وفاة الأب الروحي للنضال التحرري الفلسطيني. ولم يكن أمام الرقم الأول "الفتحاوي" الذي قرر عقد أول مؤتمر للحركة في الأرض الفلسطينية منذ ميلادها سنة 1959 في سياق تعرضه لمطبات الحركة أن يعترف بالأخطاء التي ارتكبتها في مسيرتها وخاصة منذ المؤتمر الخامس والتواريخ الحاسمة التي ميزتها خلال العقدين الأخيرين وخاصة تلك ذات الصلة بمفاوضات السلام التي جاءت نتاجا لاتفاقات أوسلو سنة 1991 وقال بضرورة استخلاص الدروس والعبر من تلك الأخطاء. وتبقى انتكاسة الانتخابات العامة في جانفي 2006 التي رأت ولأول مرة فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني من اكبر تلك التعثرات بعد أن تكبدت الحركة اكبر خسارة انتخابية في تاريخها بل وتراجع دورها في الساحة الفلسطينية. وأبدى الرئيس عباس شجاعة ملحوظة عندما راح يعدد أسباب ذلك التراجع الذي مازالت تبعاته قائمة إلى حد الآن وأرجعها إلى تعثر مسار السلام وأيضا إلى "أخطائنا وبعض تصرفاتنا المرفوضة من طرف عامة الشعب الفلسطيني ونتائجنا الضعيفة في الميدان وابتعادنا عن نبض الشارع وعدم انضباطنا التنظيمي وهي كلها عوامل اجتمعت لتكون سببا في خسارتنا الانتخابات سنة 2006 وخسارتنا لقطاع غزة." وعندما اعترف الرئيس الفلسطيني بأخطاء حركته، فقد أكد على حتمية اقتناع جميع مناضليها بجعل هذا المؤتمر ونتائجه قاعدة لانطلاقة جديدة يتم من خلالها تعزيز الكفاح من اجل تحقيق الهدف المحوري الفلسطيني في التحرر والاستقلال بإعطاء الحركة دما جديدا وروحا متجددة حتى تتمكن من مواصلة الطريق وتحمل مسؤولياتها التاريخية لتحقيق الاستقلال. وهي الغاية التي تضمنها مشروع البرنامج السياسي الذي عرض منذ أمس لمناقشات ممثلي الحركة الذين حضروا فعاليات المؤتمر الذي تنتهي أشغاله مساء غد الخميس بإصدار اللائحة السياسية والمصادقة على برنامج عمل الحركة للسنوات القادمة. ولم يفوت الرئيس عباس فرصة إلقائه خطابه ليوجه انتقادات لاذعة باتجاه الوزير الأول الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتانياهو الذي اتهمه بالعمل على قبر عملية السلام ورفض استئناف مفاوضات السلا، بعد أن رفض تجميد عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية ورفضه إعادة القدسالشرقية للفلسطينيين. واتهم إدارة الاحتلال بانتهاج سياسة تطهير عرقي في القدسالشرقية بهدم منازل سكانها الأصليين وإحلال مكانهم مستوطنين يهود. كما انتقد من اسماهم ب "الانقلابيين" في حركة حماس وعمليات القمع التي يقومون بها ضد نشطاء حركة فتح في قطاع غزة وعرقلتها كل مسعى لاستئناف الحوار المتعثر بالعاصمة المصرية القاهرة. وهي الاتهامات التي سارعت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى نفيها وانتقادها وأكدت أنها مجرد مهاترات وتلفيقات لا أساس لها من الصحة. ووصفت حماس الخطاب ب "التصادمي" و"لا يؤشر عن قرب حدوث مصالحة فلسطينية. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم "حماس" في تصريح صحفي أن "عدم استجابة الرئيس عباس لمطالب حماس في إطلاق سراح معتقليها في الضفة الغربية وإصدار جوازات السفر يؤكد على أنه لم يكن معنيا بمشاركة أعضاء "فتح" من قطاع غزة في المؤتمر. ومن جهته اعتبر إسماعيل رضوان القيادي في حماس في بغزة ان خطاب عباس جاء "حزبيا ومتعصبا وفئويا ".