حتى الآن مازلنا ندور في حلقة مفرغة حول غلاء الأسعار وجشع التجار وتأثير هما على القدرة الشرائية للمواطن خاصة عندما يتعلق الأمر بقوته اليومي. وإذا كان أهل الاقتصاد يرجعون كل ارتفاع في الأسعار إلى قانون العرض والطلب وحرية السوق وغيرهما من المبررات التي لا يؤمن بها المواطن، فإن هناك ما يدحض نظريات الذين يتعللون بقواعد السوق. إن الواقع اليومي وما نقف عليه في كل لحظة هو أن أسواقنا مازالت تفتقر إلى التنظيم وهي في حاجة إلى تشريع لتصبح فضاءات لممارسات مقننة فإذا أخذنا مثلا أسواق الخضر واللحوم التي فلتت من كل مراقبة، فإننا نجد طبقة طفيلية تتحكم في أسعار الخضر والفواكه وتعرض على الرصيف ولا أحد يقوى على مراقبتها تشتري بدون فاتورة وتبيع بدون تسعيرة بل وتفرض ما تريد وتفلت من المراقبة، بالرغم من أنها تغلق أبواب الأسواق والطرق المؤدية إليها إلى درجة أن الأسواق المعتمدة والجوارية لم تصمد أمامها بل إن تجار هذه الأخيرة أرغموا على ممارسة البزنسة بالخروج إلى الشارع حفاظا على نشاطهم. فوضى أسواق الخضر تحولت إلى اسواق اللحوم وعندما يباع اللحم على الرصيف ويذبح الدجاج هو الآخر على قارعة الطريق ويعرض على المارة بأسعار تفوق الخيال فالأكيد أن كل قواعد السوق تتغير وعلى المواطن أن يتعامل بصبر مع هذا الواقع الذي أصبح فيه صياد السمك يضطر الى إعادة رمي الأسماك في البحر للحفاظ على التسعيرة التي فرضها منطق الجشع. هذه حقائق نعيشها يوميا في ظل فوضى العرض وغياب الرقابة والردع المباشر والسكوت على الذين احتلوا الأرصفة عنوة وأغلقوا الطرقات وحولوها إلى جحيم يلهب الجيوب وكذا السكوت على الذين حالوا دون وصول منتوج الفلاح ومربي الأغنام إلى المستهلك بالسعر المعقول. ولا شك أنه عندما تتحكم المصالح التجارية ومصالح المراقبة في الوضع وتلعب البلديات دورها في مراقبة البؤر التي تسببت فيها ويتم تأطير الأسواق، عندها يمكن الحديث من قانون العرض والطلب وتحرير الأسعار والمضاربة، ومن هنا يبدأ العمل الجاد.