انتشرت وسط الأطفال، خلال الآونة الأخيرة، ظاهرة جد خطيرة، أثارت مخاوف المختصين في الصحة، ودفعت خبراء الاجتماع إلى البحث في خلفياتها، وهي التدخين وسط الأطفال، هذا الفعل الذي باتت تدمنه البراءة، ويهدد صحتها الجسدية، وسلامتها العقلية، في ظاهرة أصبحت تمارس في العلن، وأمام الجميع، إذ لم يعد يتخوف هؤلاء من الظهور أمام الكبار، وهم يحملون السيجارة، كما كان الوضع في وقت مضى، حيث كان الكبير يمنع الصغير عنه حتى وإن كان لا يقربه. هذه الظاهرة، دفعت "المساء"، إلى البحث عن خلفياتها، وآثارها على صحة الطفل، حيث اقتربت من بعض الخبراء، الذين أكدوا أن التدخين وسط الأطفال، تحول من حالة شاذة بين بعض ضحايا الحالات الاجتماعية، إلى ظاهرة مجتمعية تهدد سلامة المجتمع كافة. نادية مزنان طبيبة منسقة: التدخين السلبي خطير على الطفل فما بالك بالتدخين المباشر حذرت الطبيبة المنسقة لدى مصلحة الطب الجواري ببرج الكيفان، نادية مزنان، من آثار التدخين على صحة الطفل، مشيرة في حديثها ل«المساء"، إلى أن الطفل، هو الفرد الذي يتراوح سنه بين 5 سنوات و13 سنة، ما دون ذلك رضيع، وما فوقه مراهق، ثم شاب، وأن الفئة التي نحن بصدد الحديث عنها، تقول مزنان، هو الطفل بين سن 6 و16 سنة، إذ أن المراهق أيضا يعتبر طفلا، ولابد أن يتم حمايته، مثلما يتم حماية الطفل الذي يصغره سنا تماما. أضافت مزنان، أن ظاهرة التدخين تنتشر بين هذه الفئة الصغيرة بشكل مثير للقلق، ليس فقط، بل وهو مثير للخوف، إذ أن هذا الفعل الذي أصبح يسلكه أطفال في بداية حياتهم، يهدد سلامتهم الجسدية والعقلية على السواء. وقالت الطبيبة، إنه كثيرا ما كان خبراء الصحة يحذرون من آثار التدخين السلبي على الطفل، أو ما يعرف بالتدخين غير المباشر، وهو يعني تدخين الشخص البالغ من الآباء أو الأقارب أمام الطفل الصغير، والذي سوف يجعله هو كذلك مدخنا بطريقة غير مباشرة، حيث يستنشق ذلك الصغير الدخان الذي يطلقه المدخن أمامه، خاصة إذا كان في نفس الغرفة، ولا تهوية فيها. أوضحت الطبيبة أن هذه الحالات، قد يكون لها أثر سلبي خطير على صحة الطفل، لأنه بدوره يستنشق الهواء "الملوث" بنفس مركبات السيجارة، بل وقد تكون أخطر باعتبارها محترقة، وبما أن الطفل أكثر حساسية، وجسمه أكثر ضعفا، فقد تصيبه مشاكل صحية في سن مبكرة. ونبهة الطبيبة مزنان، إلى أن التدخين السلبي خطير على الطفل، فما بالك بالتدخين المباشر، موضحة أن هذه الظاهرة تنتشر اليوم بين الأطفال بشكل ملفت للانتباه، تقول: "نلاحظ اليوم، العديد من الأطفال في الشوارع، يحملون سيجارة بين أصابعهم، التي لا تزال أقل طولا من السيجارة في حد ذاتها". موضحة أن هذا الأمر يبدو لخبير الصحة، كنوع من "الانتحار" غير المباشر، وكأنك ترى مشهدا "لا يتقبله العقل ولا المنطق"، فلا يجب على الصغير أبدا أن يسلك هذه السلوكيات في سن صغيرة. وعن أثاره على الصحة، قالت مزنان، إن المشاكل الصحية التي يسببها التدخين على الطفل، هي نفسها آثارها على الشخص البالغ، إلا أنه قد نرى الآثار والأعراض أسرع، باعتبار الطفل أكثر حساسية، بل هي في طريق النمو، ولم تكمل بعض الأعضاء نموها تماما، ما يصيبها بالخدج في مرحلة معينة، بسبب عامل التدخين الذي يوقف اكتمال النمو. وأضافت أنه، إلى جانب مشاكل صحية متوسطة، كالغثيان والقيء، الصداع، انقطاع الرغبة في الأكل، وفقدان الوزن وأضرار على مستوى الأسنان، تتعرض صحة الطفل إلى مشاكل أكثر خطورة، وهي السرطان في سن مبكرة، خاصة سرطان الرئة، الذي يعد من أشهر السرطانات التي يسببها التدخين. مريم شرفي مفوضية حماية الطفولة: حماية صحة الطفل مسؤولية جماعية وأمانة مجتمعية شددت مريم شرفي، المفوضية الوطنية لحماية وترقية الطفولة، على ضرورة الحرص على حماية صحة الطفل، والتي تعد حسبها، مسؤولية جماعية وأمانة، والتخلي عنها خيانة لتلك الأمانة، وأشارت إلى أن صحة الطفل هي من أولويات المفوضية، وضمان سلامة البراءة من المهام التي أُنيطت للمفوضية، والتي تحرص على تحقيقها من خلال العمل الميداني، وتشجيع كل مبادرة حسنة تصبو إلى حماية وترقية صحة الطفل. أشارت مريم شرفي، إلى أن المفوضية، وخلال إعدادها المخطط الوطني للطفولة، خصصت حيزا كبيرا لصحة الطفل، تكريسا لحقه الكبير في الحياة، والتمتع بالصحة الجيدة، وحماية لسلامته الجسدية والنفسية، موضحة أن المفوضية، تهتم كذلك بكل ما يخص ضمان سلامة هؤلاء، والوقوف كالذرع الواقي ضد أي تهديدات خارجية تمس حياة هؤلاء، سواء كانت تهديدات أسرية أو مجتمعية، وغيرها من المشاكل التي قد تجر الطفل إلى حالات تهدد صحته وسلامته وحياته عامة. وأكدت المتحدثة أن المخطط الوطني للطفولة، الذي أعد لآفاق 2030، يشهد إشراك كل القطاعات الوزارية والأسلاك الأمنية وفعاليات المجتمع المدني والخبراء الناشطين في مجال الطفولة، التي تهدف من خلال الجهود المبذولة كافة، إلى ترقية حقوق الطفل، والحرص على تطبيق القوانين التي تكفل تلك الحقوق، لاسيما حماية صحته وحياته من كل خطر. تسبب سرطانات مختلفة "الشمة" تبغ خطير يدمنه الأطفال أكده البروفيسور اهنية، مختص في أمراض الأنف والحنجرة، أن الإدمان أشكال وألوان، كما أصبح صناع مواد التدخين يبدعون في ابتكار أنواع جديدة، إلى جانب المواد التي كانت موجودة منذ سنوات، وبات الطفل اليوم يندفع نحو تلك المواد لتجربتها، وتجربة الشعور الذي تمنحه، ومن أكثر المواد استعمالا اليوم؛ السيجارة العادية، و«الشمة"، وبالرغم من كل تلك الأساليب الحديثة في التدخين، إلا أن الكلاسيكية منها لا تزال تتصدر قائمة أكثر المواد استهلاكا، نظير أسعارها، خاصة في الجزائر. أشار البروفيسور إلى أن الجزائريين من أكثر الشعوب استهلاكا لهذه المادة، التي توضع بين الأنف والفم، أي في الشفة العلوية، وهي نوع من أنواع التبغ، لا تقل خطورة عن السيجارة العادية، ولم يعد اليوم، الشخص مدمن السيجارة يتردد في تجربتها، ولا يجد هؤلاء حرجا في تعاطيها، خصوصا وأنها كانت في وقت سابق جد مكروهة، لارتباطها بانعدام النظافة الشخصية لمستهلكيها، بسبب رائحتها الكريهة التي كانت تقرف الكثيرين. وأكد البروفيسور، أن التبغ بأنواعه، سيجارة كانت أو "شمة" وغيرها، فهو تعاطٍ، وجميعها تسبب الإدمان، وكل إدمان يجعل الشخص يصعب عليه التخلي عن تلك السلوكيات، وتسبب مع مرور الوقت، مشاكل صحية، قد تكون جد خطيرة، لأنها سبب في العديد من السرطانات، كسرطان اللثة، اللسان، البلعم، المريء والمعدة. والمخيف في الأمر، يقول البروفيسور، أن تلك المشاكل الصحية تهدد اليوم الأطفال، بسبب تعاطيهم الكبير لتلك المواد الخطيرة. فيما يتكرر التدخين أمام الأبناء يوميا فعل يولد "الرغبة في التجربة" أكدت نفسية فلاك، مختصة نفسانية، أن الآباء المدخنين، هم المسؤولون الأوائل عن العادة السيئة لتدخين الاطفال، مشيرة إلى أن أكثر الصفات التي يحملها الطفل موجودة في الآباء، باعتبارهم القدوة الأولى لهم، وكل ما يقومون به، هم مرشحون لحملها، كسلوكيات بطريقة سلسة بعد سنوات. وأضافت المتحدثة، أن التدخين اليوم، انتشر بشكل مخيف وسط الأطفال، وبدل البحث عن الأسباب الأساسية وراء ذلك، لابد من تحميل الأولياء مسؤولية الأمر، مؤكدة أن الآباء اليوم، لا يترددون في التدخين أمام أطفالهم، ولا يخافون لا على صحتهم ولا على ما يمكنهم أن يحملوه من عادات سيئة، جراء ذلك الفعل. وأضافت أن الصغير في بداية حياته، يكون كالإسفنجة، يمكن أن يمتص كل سلوك يشاهده من حوله، وهذا ما يجعله يحمل أيضا سلوكيات غير جيدة، كالتدخين مثلا، فإذا كان المحيطين به، كالأب أو الأخ الكبير، أو العم أو الخال أو غيرهم من البالغين، يكررون فعل التدخين أمام الطفل، فسوف تولد لديه مع الوقت، رغبة في تجريب ذلك، ويصبح الفعل بالنسبة له طبيعيا ولا مشكل في القيام به. ونبهت المتحدثة على أهمية مساعدة الطفل في فهم ما هو جائز وما هو ممنوع، بل وترسيخ لديه معلومات سليمة حول كل ما يلاحظه من حوله من سلوكيات، فلا يكفي فقط منعه من التدخين، بل يجب توضيح أن التدخين ليس جيدا، وأنه يسبب أمراضا خطيرة، إذ لا يكفي فقط منع الطفل من القيام بأمر معين، لأن ذلك قد يكون له مفعول عكسي ويدفع الطفل إلى تجربة ما هو ممنوع. "ما ندخلش روحي" .. تخلي المجتمع عن توجيه الصغير أكدت مروى محمودي، المختصة في علم الاجتماع، أن أكثر ما نشاهده في الوقت الراهن، هو "تخلي الكبير على مسؤولية توجيه الصغير"، وهو من أخطر ما قد يحدث في مجتمع مسلم محافظ له مبادئ، كان يحرص الجميع على تطبيقها، حتى وإن كان من غير الأهل. وأضافت أنه اليوم، أصبح يتكرر على مسامعنا مصطلح "ما ندخلش روحي" بالعامية، والتي تعني لا شان لي في ذلك، بالتالي يغض الجميع البصر عند مشاهدة فعل أو تصرف غير جيد، يمارسه شخص أو صغير أمام الجميع. وأضافت: "نقف اليوم على الكثير من التصرفات في الشارع، التي يمارسها أطفال، كان الكبير، بالرغم من عدم قرابته مع هؤلاء، إلا أنه يوجه لهم النصيحة، أو يعاتبهم أو حتى أن البعض كان يعاقبهم على ذلك، بل ويحرصون على تبليغ آبائهم بتلك التصرفات، بهدف إعلام الآباء بما يحدث وما يقوم به أطفالهم، من أجل مساعدتهم على إصلاحهم وحمايتهم من خطورة والأعراض الجانبية لتلك السلوكيات". وفي الختام، نبهت المختصة إلى أن بعض الأباء لا يتقبلون النصيحة حتى وإن كانت من شخص قريب منهم، ولا يتقبلون أيضا معاتبة شخص آخر لأطفالهم، وهذا ما جعل المجتمع بعد فترة، يتخلى تدريجيا عن فكرة مخاطبة طفل غريب، مهما كان سلوكه مشينا في الشارع، وهوما يجعلنا اليوم نجد هؤلاء الأطفال يتصرفون بحرية تامة، بعيدا عن أعين آبائهم، دون خوف ولا حرج من الأجانب.