أحد المبدعين في الفن التشكيلي والرسم التشخيصي في السودان يداعب الريشة منذ 40 سنة أنجز على امتداد مشواره الفني أكثر من ألف لوحة يعشق المزج بين الفلكلور والمعاصر، ومن أهدافه الدفع بعجلة الفن التشكيلي في بلاده إلى الأمام ذلك هو الفنان "بكري مصطفى دباب" الذي يشارك في المهرجان الثقافي الدولي للمنمنمات والزخرفة بالجزائر، حيث إلتقته "المساء" وأجرت معه هذا الحوار. - هل يمكننا بداية أن نتعرف أكثر على الفنان دباب بكري مصطفى ؟ * أنا فنان تشكيلي من السودان أمارس التشكيل منذ أربعين سنة، خريج كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالسودان، وقد أنتجت طوال مشواري الفني أكثر من ألف لوحة بيع أغلبها وقد مررت بثلاث مراحل تشكيلية حيث تخرجت في 1967 بأسلوب تجريبي بحت، ثم دخلت في الأسلوب التكعيبي الذي اشتغلت به زمنا، بعدها رجعت لأسلوبي التجريبي وإلى الحالية فيها من التجريد والتشخيص وغيرها. نظمت عدة معارض داخل وخارج السودان على غرار جدة (السعودية) وجنيف (سويسرا) ومعرض سان فرنسيسكوا وأنا متفرغ الآن للعمل التشكيلي. - تشاركون في مهرجان الجزائر الدولي للمنمنمات والخزف، فيما تمثلت هذه المشاركة؟ * في الحقيقة جاءتني الدعوة للمشاركة في هذه التظاهرة متأخرة قليلا، حيث وصلتني يوما فقط قبل السفر لذلك فان استعدادي للمشاركة لم يكن كافيا بحيث لم يكن لدي الوقت لاختيار أحسن أعمالي أوعلى الأقل التي لها علاقة بالمنمنمات، لكن رغم ذلك أحضرت بعض الأعمال التي شاركت بها في المعرض الذي نظم في إطار التظاهرة. كما أن أهم مكسب من هذه التظاهرة هو أنني تعرفت على عدد كبير من الفنانين من مختلف الدول العربية والإسلامية وهي أول مرة أشاهد تجمعا لعدد من الأسماء في وقت واحد من مختلف الدول. فزيارتي هذه للجزائر كانت مفيدة جدا أكثر مما كنت أتوقع وحتى المناقشة خلال المحاضرات التي شاركت بها كانت على مستوى راق جدا فالجزائر فتحت لنا عقلها وقلبها، وما أسعدني أكثر ان أعمالي المعروضة كان لها صدى طيبا وهناك الكثير من الفنانين الذين التقيت بهم هنا عملوا على التعرف أكثر على أعمالي وهذا جميل، خاصة وأن التواصل اليوم أصبح سهلا عن طريق الانترنت، وسأعمل فور دخولي إلى وضع الكثير من أعمالي على الانترنت. - المعروف عن السودان أنها لا تملك جذورا عريقة لفن المنمنمات ؟ * هذا صحيح فليس لنا تراث قديم للمنمنمات في السودان، لذلك أفكر أنني عندما أعود للسودان سأحاول تأسيس منهج لتدريس المنمنمات، فأنا اشتغلت في البداية كرسام إيضاحي وكنت ممتازا جدا في هذا المجال وكنت أتمنى لو ساعدني الوقت وأحضرت نماذج عن ذلك لهذا المعرض وأعدادا من الكتب التي أنجزت رسوماتها، فلدي الكثير من الأشرطة المرسومة كما رسمت في أكثر من 20 كتابا. - هل هناك فنانون في السودان يهتمون بهذا النوع من الفن ؟ * أسماء معروفة ومتخصصة في هذا المجال غير موجودة لكن هناك فنانين اشتغلوا على فن الخط والزخرفة وهو مجال غير بعيد عن المنمنمات وقد فازوا بالكثير من الجوائز الدولية لاسيما في تركيا، لكن في شكل المنمنمة الإسلامية المعروفة في الجزائر وغيرها من الدول كإيران وتركيا فهي غير موجودة في السودان، الأعمال التي رسمتها في هذا المجال كانت باللون الأبيض والأسود أي عنصر اللون الذي هو ضروري في المنمنمة كان مفقود. وبصفتي دارسا لتاريخ الفنون كنت على اطلاع على المنمنمات العالمية خاصة الإيرانية التي أنا معجب بها كثيرا وفي مقدمتها "مدرسة بهزاد" ومتابع كذلك لأعمال محمد راسم منذ زمن طويل ولدي مجلة أحتفظ بها منذ 20 سنة لمحمد راسم مازلت أستعين بها حتى الآن. وفي الخرطوم هناك توجه فني اسمه مدرسة الخرطوم تأخذ من التراث العربي الإسلامي الإفريقي، أي هي خليط بين هذه العناصر الثلاثة، وأنا واحد من الذين تخرجوا منها وكنا ننتج أعمالا شبه تجريدية لكنها تحمل سمات عربية إسلامية وافريقية وبمنهج أوربي. ورغم ان السودان لا يملك جذورا تاريخية لهذا الفن كما قلت إلا أن متحف الخرطوم اليوم يضم أعمال فن كان متواجدا في السودان في العهد المسيحي أي قبل دخول الإسلام، وهي عبارة عن رسوم حائطية جصية وهي "الفريسكوس" مدفونه في الكنائس تشبه المنمنمات بالضبط لكنها تنتمي للعصر المسيحي. - قلتم ان مشاركتكم في مهرجان الجزائر ولد لديكم الرغبة في إنشاء فرع لهذا الفن فلنتوقف عند هذه النقطة؟ * هذا صحيح بعد هذه الزيارة الطيبة للجزائر أنوي فور عودتي للسودان إنشاء اللّه العمل على إنشاء مدرسة للتكوين في فن المنمنمات لأن أسلوبي الفني أساسا يقوم على رسم الشخوص فموضوع أعمالي يعتمد دائما على القصة وهناك دائما شخصيات تعتمد على الحوار. كما انني احب رسم تجمعات الناس سواء في الأسواق أوفي المناسبات الاجتماعية والدينية، كما أنني على اطلاع على تاريخ السودان الفني والذي يمكن ان أسجله عبر المنمنمات. المهم أن تأسيس هذا الفن ليس أمرا صعبا وبالنهاية الأصل في فن المنمنمات هو ان تكون قد درست رسم الشخوص الطبيعة الصامتة والمنظور وأنا متمكن من ذلك ومارست هذا الفن لمدة ثماني سنوات، فالاستعداد الفني والفكري موجود لتحقيق الفكرة ولا ينقص إلا التنفيذ وأنا أتمنى أن نتبنى منهج الجزائر في ذلك. - في المحاضرة التي القيتها خلال هذا المهرجان أكدت على انه لا ينبغي نقل القديم كما هو وإنما إحياء روحه فقط؟ * هذا صحيح وهذا ما أؤمن به شخصيا، فنحن درسنا الفن بالمفهوم الغربي الحديث لذلك نسعى لتحاشي سلبيات القديم، والشيء الجميل في المنمنمة هو المنظور الشرقي الصيني الذي تبنته والذي يقوم على عدم وجود بعد ثالث وهذه القاعدة سأتمسك بها وسأتبناها في كل أعمالي. ومن أهم خصائص المنمنمة كذلك هو أنها لا تجسم للأجساد بشكل كامل لكن تجسيد خطي. - وكيف هو وضع هذا الفن على وجه الخصوص والفن التشكيلي بشكل عام في السودان؟ * عمر كلية الفنون في السودان خمسين سنة يعنى أنها تمكنت من تكوين أكثر من ألف فنان هم متواجدون الآن على الساحة الفنية، لكن السودان بوضعها الجغرافي وحتى السياسي مقلق. كما أن مشاركة الفنانين في الخارج عبر مختلف التظاهرات كان يتم بشكل فردي، وللأسف كان اغلبهم يتجه للغرب وخاصة أوربا وأمريكا يعني ان الانتشار في البلدان العربية كان ضئيلا جدا. والفنان يحتاج دائما لدعم مادي والسلطة في السودان الآن فقط بدأت تهتم بالتنظيمات الفنية يعني اتحاد الفنون الجميلة السوداني الذي أنا عضو فيه. حيث تم مؤخرا إعادة تنظيم هذا الأخير، كما أن اللجنة التنشيطية تقوم الآن بعمليات قوية وممتازة. ومن جهة أخرى، أصبحت وزارة الثقافة ترشح أسماء للمشاركة في مهرجانات دولية بطريقة مستمرة، أنا مثلا رشحت إلى معرضين وهذا الثالث الأمر الذي يكن يحدث من قبل فكل معارضي السابقة أنجزتها على حسابي الخاص حتى في سفرة أمريكا كانت على حسابي. كما أصبح هناك سوق للفنون في السودان وأصبحت الطبقة الثرية تسعى إلى اقتناء التحف وهناك فنانون يعيشون من عملهم الفني فقط، وهناك عدد من الفنانين الكبار يشتغلون بأسعار مريحة طبعا لا يمكن مقارنته بأوربا أوأمريكا لكنها تبقى مقبولة لحد الآن. وهناك عروض تجارية دائمة يتم تنظيمها في أربعة أوخمسة أروقة يتم خلالها الاقتناء، لكن يبقى أن الاعمال المرغوب فيها هي تلك التي تحمل طابعا سياحيا فلكلوريا فالسائح الأوربي يبحث دائما على الفلكلور وما يهمه هو الذكرى.