يعود شهر أفريل وتعود معه ذكريات رحيل الفنانة التشكيلية "عائشة حداد "والتي بفقدانها فقدت الساحة الثقافية والإبداعية العربية واحدة من مبدعيها وروادها الذين تأتى لهم التأسيس لمتن إبداعي عربي بنكهة خاصة ولمسات سحرية فريدة من نوعها. بأحرف من ذهب حفرت اسمها وأبدعت في إخراجه عندما كان المشهد الإبداعي في المجتمع حكرا على الصنف الذكوري؛ بل حينما كان الإبداع بالنسبة لهذه المجتمعات الخارجة من ربقة الاستدمار يمثل تحديا حقيقيا. ولدت عائشة حداد بمدينة "برج بوعريريج" وترعرعت في كنف عائلة تقليدية، وفي أحضان أبوين متشددين للغاية عندما يتعلق الأمر بنتائجها الدراسية حريصة على احترام القيم الأخلاقية، تلك المبادئ التي بقيت تسيّر حياتها في كافة المواقف، أما عن أحاسيسها الفنية فهي ترجع للذكريات الأولى لطفولتها، ذكريات ترتبط بألوان عطرة، ففي سن مبكرة ظهرت بوادر ميولها الواضحة لفن الرسم حيث كانت معلماتها تشجعنها. وكان شغفها وتفضيلها لدراسة المواد الفنية حينها وراء اختيارها، لاحقا، مهنة تدريس الفنون التشكيلية دون أدنى تردد، وتابعت قبل ذلك دروسا لدى السيد "كاميل لورا" في جمعية الفنون الجميلة بالجزائر مع كل من نجار، حمشاوي، بوردين، بلكحلة وبن شيخ، أنجزت خلالها عدة لوحات كانت مواضيعها : عروض خيالة "الحشم"، مشاهد بحرية لبجاية ومشاهد لجماعات نسوية ذات الألوان المتعددة. ولكن أكثر ما استهواها وأسرها هو سحر الجنوب الجزائري فأنجزت مجموعة من المنمنمات ممثلة لمختلف مناطق الجزائر استوحتها من أعمال محمد راسم. وفي سنة 1972 شاركت في مسابقة للفن التصويري بمدينة الجزائر، وتحصلت من خلالها على جائزة. وكان ذلك بداية لمشاركتها في الحياة الفنية الجزائرية، فانخرطت في السنة الموالية "1973" في الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية... ومنذ ذلك الحين شاركت في عدة معارض شخصية في الجزائر وفي العديد من البلدان الأخرى وذلك في إطار تبادلات ثقافية، معارض مقامة كل سنتين (فورومات، أسابيع ثقافية) .... أما عن أسلوبها الفني فقد كان في البداية تصويريا ثم أصبح انطباعيا، إلا أن رحلاتها وزياراتها للمتاحف وأروقة الفن والمعارض الدولية جعلتها تكتشف "بايي، قاودي، تينقلي، نيكي دي، سان فال، سيزان، أرمان والفن المعاصر، ففتنت كثيرا بتلك الأشكال التعبيرية المتعددة. جابت أعمالها دول العالم في معارض لفتت أنظار النقاد ونالت قدراً كبيراً من الاهتمام والتكريم، حيث حصلت على أكثر من 16 جائزة عربية وعالمية كان من بينها ميدالية اليونسكو عام 1997. كما تم تأسيس جائزة باسمها في عام 2002. وتقاسمت العديد من المتاحف العالمية «طوكيو، باريس، برلين، روما، جاكرتا، فيينا» أعمالها.. وتبقى عائشة حداد امرأة منحت حياتها التي ناهزت 68 عاماً للرهان على الإنسان العربي الحر، وعلى الإبداع الرافض للتسييس.