يحدث في عائلات جزائرية كثيرة، أن يتكفل أحد أفراد العائلة بالبقية وعادة ما يكون الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، بعد غياب الوالد أو الأم أو الإثنين معا لسبب من الأسباب، سواء الوفاة أو الطلاق، ليجد هذا الشقيق نفسه مرغما على ضرورة الإشراف على بقية إخوته، وكثيرا ما ينسى نفسه ليضحي من أجل الآخرين، وبالمقابل، كثيرا ما يجازى على هذه التضحيات بنكران الجميل، وقد يصل الأمر إلى التطاحن بين الإخوة والاحتكام إلى العدالة ليحدث الشقاق والفراق بين أفراد العائلة الواحدة ويصبح من ضحى من أجل إخوته العدو الأول... قصص واقعية تشهدها المحاكم باستمرار والمجتمع الجزائري ككل، فكيف يعقل أن يضحي الفرد من أجل إخوته وعندما يكبرون ينكرون كل ما قام به من أجلهم؟! بعد وفاة الوالد، عادة ما تجد العائلة نفسها في مأزق للبحث عن مصدر الرزق، خصوصا إن كانت الأم ماكثة بالبيت ولا تشتغل، مثلما كان عليه الأمر في السابق عكس ما نعيشه في الوقت الحالي، هذا ما يدفع الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، إلى تحمل مسؤولية العائلة منذ الصغر مثلما هو الحال بالنسبة للعديد من الحالات التي وقفنا عليها، والبعض من هؤلاء أهمل حياته الشخصية من أجل إخوته مثل الآنسة ( أنيسة. ب) التي تعدت 50 سنة ولم تتزوج، لأنها وببساطة رفضت كل ارتباط وهذا خوفا من أن تهمل أمها وأخواتها الذين عملت وكافحت من أجل تربيتهم حتى أصبحوا رجالا ونسوة، ولا تزال على هذا الحال إلى حد الآن مع أبناء شقيقها الأكبر، الذي ابتلي بالإدمان على الخمر متناسيا أبناءه وزوجته، تقول: "هدفي الآن هو إرسال الوالدة لأداء مناسك الحج، ولا يهمني أي شيء آخر، فأنا التي اخترت هذا المصير والمهم أنني اليوم أرى إخوتي رجالا وأخواتي نساء، لا أنتظر منهم أي شيئ سوى بعض التقدير فقط".
يبني بيتا بماله ويخرج منه صفر اليدين وإذا كان هذا هو حال هذه السيدة التي ضحت بنفسها من أجل إخوتها وتؤكد على رضاها بذلك، فإن هناك الكثيرين صدموا في إخوتهم عندما طالبوهم بحصصهم من المال الذي جمعوه بمفردهم، مثلما حدث (لمالك. س) 68 سنة، الذي ترك مقعد الدراسة للتوجه إلى العمل بعد وفاة والده تاركا 5 أبناء و4 بنات، فبدأ العمل وهو صغير ليتمكن بمرور السنوات من أن يكون لنفسه تجارة مربحة مكنته من جمع قدر من المال، ويتفاجأ بمطالبة إخوته ب"حقهم"، حيث قال لنا: "صراحة صدمت من طرف إخوتي عندما طالبوني بحقوقهم فيما أملك، فقد قمت بتربيتهم والإشراف عليهم حتى كبروا وأصبحوا إطارات وساهمت حتى في زواجهم، واليوم يضغطون علي لنقتسم المال، فهم يقولون أن الوالد ترك مالا انطلقت منه، وهذا خطأ فكل ما كونته كان بجهدي وهم لا يعلمون كم عانيت وضحيت من أجلهم". ولا تنتهي قصص هؤلاء عند هذا الحد فهناك من الأشقاء من وصل بهم الأمر إلى حد الاشتباك وآخرون إلى الاقتتال، فقد كشف لنا بعض المحامين عن وقوع جرائم بين الإخوة من أجل التركة، ونظرا لسوء التفاهم الذي يكون في مثل هذه الحالات، يصل الأمر بالإخوة إلى اللجوء إلى العدالة وهذه أكثر الحالات شيوعا، حيث يرفع الإخوة دعوى قضائية ضد شقيقهم الأكبر لمطالبته بحقوقهم وكثيرا ما يخرج هؤلاء صفر اليدين. وكثيرا ما نسمع عن إخوة، خانوا أخاهم الذي كد واجتهد حتى يؤمن لهم سواء بيتا أو تجارة، مثلما حدث لأحد المغتربين الذي هاجر إلى بريطانيا منذ سنوات، ولأنه ترك أهله يعانون من ضيق المسكن كان همه الوحيد بناء بيت واسع يضم كل أفراده، ومن أجل هذا فقد حرم نفسه حتى من النوم، لأنه كان يشتغل ليلا نهارا ليرسل لإخوته المال اللازم من أجل بناء البيت وبقي على هذا الحال مدة من الزمن، ليتفاجأ لدى عودته من نكران إخوته وحتى والده، فعندما سأل عن الشقة التي خصصوها له، ردوا عليه أنه ليست هناك أية شقة له، وعندما تساءل كيف يعقل ذلك وهو من مول بناء البيت كليا، صدم بنكرانهم لذلك.. مؤكدين أنه ليس له أي نصيب في البيت، مما جعله يقرر العودة إلى إنكلترا دون رجعة. ولعل من بين الأسباب التي تجعل الأشقاء يختلفون فيما بينهم، تغلب الأنانية والمصالح الشخصية ضاربين التواصل العائلي والرحمة عرض الحائط، إلى جانب التضامن الكبير الذي تعرف به العائلات الجزائرية، مهتمين فقط بما يريدون الوصول إليه حتى وإن كان ذلك على حساب إخوتهم.