يرمي إجراء إلغاء التقاعد دون شرط السن الذي تبنته الثلاثية في اجتماعها الأخير وسيجري تأطيره بقانون يرتقب صدوره خلال سنة 2010، إلى تثمين الكفاءات الوطنية من خلال وقف التسربات الهامة على مستوى الموارد البشرية المؤهلة، علاوة على تجنيب الخزينة العمومية مزيدا من الأضرار المالية المترتبة عن تطبيق الإجراء في شكله الحالي، والذي كلفها منذ 1997 أكثر من 360 مليار دينار. اعتماد الأمر المؤرخ في 31 ماي 1997 والمتعلق بالإحالة على التقاعد دون شرط السن، جاء في ظرف تميزت فيه الجزائر بوضع اقتصادي خانق دفعت معالجته إلى اعتماد برنامج التعديل الهيكلي للتخفيف من تبعات غلق المؤسسات المتعبة وما انجر عنه من تسريح للعمال وتقليص تعدادهم في مؤسسات أخرى تقرر دعمها وتأهيلها لإخراجها من وضعيتها الخانقة. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر الصادر في 31 ماي 1997 يسمح بالتقاعد دون شرط السن المحدد قانونا ب60 سنة لكل من عمل لمدة 32 سنة مهما بلغ سنه، وبالتقاعد النسبي للنساء البالغات 45 سنة واللواتي أتممن 20 سنة من العمل على الأقل وللرجال البالغين 50 سنة والذين عملوا مدة 20 سنة على الأقل. وحسب الأرقام المعلن عنها من قبل الجهات الرسمية فقد استفاد من تطبيق الأمر الصادر في ماي 1997، نحو 400 ألف عامل وبكلفة إجمالية تقدر بأكثر من 360 مليار دينار، غير أن هذه الأعباء التي كان لها ما يبررها في الظرف السابق، لم يبق لها ما يبررها في الوقت الحالي في ظل التطورات الإيجابية التي تعرفها مستويات النمو الاقتصادي في الجزائر، والتحسن المستمر في المؤشرات الاقتصادية الكلية، التي تحتاج في المقابل إلى تثمين وتعزيز من خلال استغلال كل الفرص والإمكانيات المتاحة لدفع الآلة الإنتاجية ودعمها أكثر. كما جاء قرار الثلاثية الأخيرة بإلغاء العمل بالأمر الذي يسمح بالتقاعد دون اعتماد شرط السن ليضع حدا لنزيف الإطارات واليد العاملة الكفأة وذات التجربة الطويلة من المؤسسات الاقتصادية العمومية وتوجهها إلى القطاع الخاص، وكذا لتصحيح وضعية غير متوازنة في الغاية التي كانت متوخاة في الأمر الصادر في 1997، والمتمثلة في خلق مناصب شغل لفئات شابة تستخلف المحالين على التقاعد، حيث أظهرت النتائج فيما بعد أن هذه الغاية لم تتحقق إلا بشكل ضئيل جدا، في حين كلف الإجراء المتضمن في الأمر الصادر في 1997، تضييع المنظومة الاجتماعية لما قيمته 1,5 مليار دينار سنويا من اشتراكات العمال، مقابل مصاريف اجتماعية فاقت 7 ملايير دينار سنويا للتكفل بالمستفيدين من هذا الاجراء. وتسعى أطراف الثلاثية في إطار تنفيذ قرارها بإلغاء الأمر الذي يسمح بالتقاعد دون شرط السن إلى إعداد مشروع قانون يتم عرضه في الثلاثية القادمة التي ستنعقد في أواخر الثلاثي الأول من سنة 2010، ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، حيث يحدد شرط الذهاب إلى التقاعد ببلوغ سن 60 سنة بالنسبة للرجال و55 سنة بالنسبة للنساء مع الاحتفاظ بحق الأمهات في تخفيض سن التقاعد بسنة لكل طفل في حدود ثلاثة أطفال. وفي انتظار صدور القانون الجديد سيبقى العمل بالأمر الصادر في 1997 ساريا، ولا يمس قرار إلغاء الأمر المتعلق بالإحالة على التقاعد دون شرط السن من تتوفر فيهم شروط هذا الإجراء قبل تاريخ صدور النص الجديد. من جانب آخر يتزامن إقرار الثلاثية بإلغاء الأمر الخاص بالتقاعد دون شرط السن، والذي كان مطلب الفيدرالية الوطنية للمتقاعدين، مع إقرار جملة من المكاسب الأخرى التي تستفيد منها هذه الفئة التي يقارب تعدادها الإجمالي نحو 1,8 مليون متقاعد، وفي مقدمتها الزيادة في الأجر الوطني الأدنى المضمون، الذي سيستفيد منه بشكل مباشر ذوو المعاشات الصغيرة المقدر عددهم حسب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي بنحو 700 ألف متقاعد يتقاضون معاشات قديمة، علاوة على نظام التعاضديات الاجتماعية التي قررت الثلاثية الأخيرة تكييفها مع الإصلاحات الجارية في ميدان الضمان الاجتماعي، وترقية أدائها بشكل يجعلها تتكفل بالتقاعد التكميلي. للتذكير فقد قررت أطراف الثلاثية في اجتماع دورتها ال13 يومي 2 و3 ديسمبر الجاري تشكيل مجموعة عمل لإعداد الاقتراحات وإعداد العناصر التي تسمح بإعداد مشروع قانون يتم بموجبه إلغاء الترتيب المتعلق بالإحالة على التقاعد دون شرط السن، على أن تقدم المجموعة نتائج عملها في القمة الثلاثية المقرر عقدها في أواخر الثلاثي الأول للسنة المقبلة لتكرسه الحكومة بعد ذلك في شكل مشروع قانون تمهيدي.