اتخذت الحكومة في الفترة الأخيرة عدة تدابير جديدة لتنظيم سوق الأدوية في الجزائر والتحكم في وفرتها وتجنب الندرة التي عرفتها بعض أنواع الدواء في السنوات الأخيرة، وعملت الإجراءات التي اتخذتها الوزارة الوصية خلال الأسابيع الأخيرة على ضمان مخزون من الأدوية يكفي لتغطية احتياجات صيدليات المستشفيات لمدة ستة أشهر، على حد تأكيد المسؤول الأول على قطاع الصحة. فخلال زيارته الميدانية يوم الأربعاء المنصرم لمخازن الدواء بكل من مطار الجزائر والصيدلية المركزية للمستشفيات بوادي السمار، كشف وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات السيد جمال ولد عباس أن مخزون الأدوية المستوردة يكفي لتغطية احتياجات المؤسسات الصحية لمدة ستة أشهر، مؤكدا بأن مشكل نفاد مخزون الأدوية المسجل في السنوات الأخيرة لن يتكرر مرة أخرى، بعد أن قامت الدولة باستيراد أكثر من 14 طنا من الأدوية لتغطية حاجيات الثلاثي المقبل، وذلك بغلاف مالي بلغ 3,2 مليون دينار. وبالمناسبة أعطى ممثل الحكومة تعليمات لمسؤولي الصيدلية المركزية للمستشفيات من أجل توفير كميات من الأدوية تضمن تغطية الاحتياجات لمدة ستة أشهر، مجددا التأكيد على إرادة السلطات العمومية في الاحتفاظ بالصيدليات العمومية التابعة لها والبالغ عددها 284 صيدلية. كما شدد الوزير على أن السلطات العمومية تعمل جاهدة لتفادي الندرة التي عرفها التموين بالدواء في السنوات الماضية وذلك من خلال تجنب حالة الفوضى التي تسببت في ذلك، والتي أرجعها السيد ولد عباس إلى سوء توزيع الأدوية وسوء تسيير المستشفيات. مؤكدا بأن الحكومة اتخذت كل الإجراءات لتدارك هذه الوضعية الفوضوية، مع منحها الأولوية للأدوية الخاصة ببعض الأمراض الحساسة. ويأتي تأكيد وزير الصحة على حرص الدولة على توفير مخزون نصف عام لسد احتياجات المواطن من الدواء واجتناب حالات الندرة الخانقة التي عرفتها السوق في فترات سابقة، في ظل حديث عن تنظيم وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بداية من الأربعاء المنصرم لاجتماعات تنسيقية مع منتجي ومستوردي الأدوية، من أجل ضبط كافة المقترحات التي من شأنها العمل على تجاوز المشاكل التي تعترض نشاطهم، وبالتالي تسهيل عملية استيراد الأدوية الضرورية وضمان استمرارية تموين السوق، خاصة بأنواع الدواء التي يكثر عليها الطلب وتلك التي عرفت نقصا فادحا في الفترات الأخيرة. وفي هذا السياق يجدر التذكير بأن الدولة رصدت مؤخرا 10 ملايير دينار كمبلغ استعجالي لتوفير كل الأدوية الناقصة في السوق، والتي حدد عددها بنحو 40 نوعا من مجموع 5400 دواء متداول محليا، علاوة على توفير 54 نوعا من الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وضبط احتياجات صيدليات المستشفيات من الدواء، قبل 31 أكتوبر المقبل، حتى يتم تموينها باحتياطي دواء يضمن لها تغطية سنة 2011 بشكل كامل. ولتحسين تسيير ملف الأدوية الاستعجالية، كان الوزير الأول السيد أحمد أويحيى قد وجه تعليمة في شهر جوان الماضي، يدعو فيها كلا من وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ووزارة المالية، بإلزام المصالح البنكية والمستوردين بإتمام إجراءات استيراد جميع الأدوية الحيوية ذات الطابع الاستعجالي في ظرف 24 ساعة، وذلك لتغطية النقص المسجل في بعض أنواع هذه الأدوية الحساسة المتعلقة أساسا بالأمراض المزمنة وبالأطفال الرضع. وإذ أخذت الدولة على عاتقها استيراد كافة الأدوية التي يحتاجها المواطنون، إلا أن استراتيجيتها في توفير الدواء للمواطن، لا تقوم على خيار استيراد كل أنواع الدواء المطلوب فحسب، بل إن هذا الأخير يراد له أن يكون خيارا مكملا لخيار دعم وتشجيع الإنتاج الوطني من الأدوية، والذي يحظى باهتمام خاص من قبل الحكومة التي لجأت إلى تخفيض إجراءات الجباية بنسبة 50 بالمائة على المنتجين الوطنيين، مع رفع هامش الربح للصيادلة فيما يخص الأدوية الجنيسة، وذلك بغرض تقليص التبعية إلى الخارج في هذا المجال والتقليص من حجم فاتورة استيراد الدواء التي تفوق حاليا 6,1 مليار أورو، ولذلك تراهن الدولة على ترقية الصناعة الوطنية للأدوية، ودعم المستثمرين الراغبين في إقامة مشاريع وطنية بنسبة كاملة أو من خلال مشاريع إنتاج بالشراكة مع دول أخرى، مع الإشارة إلى أن حجم الإنتاج الوطني من الأدوية والذي بلغت قيمته العام الماضي 533 أورو، لا يتعدى 37 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من الدواء، في حين يصنف المواطن الجزائري على انه الأكثر استهلاكا للدواء على المستوى الإفريقي. كما لا تقتصر سياسة الدولة في تنظيم سوق الدواء لضمان وفرة مختلف أنواع الأدوية فحسب، بل تتعداها إلى جانب المعاينة الصارمة ومراقبة جودة ونوعية الدواء الموزع في السوق، حيث تم في هذا الإطار تزويد معهد باستور مؤخرا بثلاثة أجهزة حديثة بلغت قيمتها أزيد من 220 مليون دينار، وذلك ضمن برنامج تطوير وسائل عمل هذا المخبر الوطني وتمكينه من إمكانيات تكنولوجية تسهل عملية اكتشاف الأدوية المغشوشة، مع التذكير في هذا الصدد بأنه بفضل جهود إطارات هذا المعهد الجزائري تم اكتشاف عدد من الأدوية غير المطابقة للمعايير الدولية وتم سحبها نهائيا من السوق العالمية للدواء. وعلاوة على كل هذه الإجراءات تعتزم الدولة إنشاء وكالة وطنية للأدوية من المقرر تنصيبها في الخريف المقبل، وتشمل مهامها إعادة تنظيم سوق الدواء والإشراف الكامل على قطاع الأدوية سواء المستوردة أو المنتجة محليا، من خلال مراقبتها وتسجيلها وضبط وفرتها وأسعارها، مع العمل على تحديد الكميات المستوردة من الأدوية، تشجيعا للإنتاج المحلي وضمانا لتحكم أكبر في فاتورة الاستيراد.