من منا لم يطلّع في حياته على رسمة لأحمد هارون، سواء في عالم الكاريكاتور أو في فن الشريط المرسوم؟ فصاحب شخصية »مقيدش« الشهيرة أحد مؤسسي جريدة »المنشار« وحديثا »البندير«، استطاع عبر رسوماته المعبرة والقيّمة أن يساهم في صناعة رؤية شعبوية حول المظاهر التي نعيشها والتي تحيط بنا وتؤثر فينا كذلك.''المساء'' التقت أحمد هارون، وطرحت عليه العديد من الأسئلة حول مساره الفني، وكذا مشاريعه في مجالي الكاريكاتور والشريط المرسوم. إذا كان هارون قد اختار المسار الأكاديمي في الرسم من خلال دراسته مدة ثلاث سنوات في مدرسة الفنون الجميلة وتخرجه سنة ,1962 فإن اكتسابه لتقنيات فن الشريط المرسوم كان من خلال عمله بالجرائد، حيث كانت البداية في جريدة''لو بو بل: le peuple، التي أصبحت فيما بعد »المجاهد«، حيث أنجز فيها هارون العديد من الأشرطة المرسومة من بينها قصة الإخوة بربروس، بالإضافة إلى رسمه للعبة الأخطاء السبعة، وكذا رسومات أخرى تصاحب المقالات التي لا تحتوي على صور. وأشار هارون أن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سابقا، قررت سنة ,1966 إصدار مجلة للأطفال، فطلب منه تشكيل فريق من الرسامين لتجسيد هذا المشروع، وكان من بين المشاركين سليم ماز وهارون بالطبع، بالمقابل اختار رئيس تحرير المجلة السيد ماضوي اسم ''مقيدش'' عنوانا للمجلة وفي هذا السياق يقول هارون: ''أحضر لي ماضوي طفلا في الثانية عشر من عمره، مرتديا لباسا تقليديا حتى أرسمه كشخصية مقيدش، وكان لكل واحد من الزملاء شخصيته الخاصة التي يرسمها في المجلة. وبعد اثني عشر سنة من النجاح توقف إصدار»مقيدش«، وفي هذه الفترة ابتكر هارون شخصية ثانية أطلق عليها تسمية ''العفريت الرياضي''، كما شارك بلوحة زيتية كبيرة في المسابقة الوطنية للفنانين التشكيليين حول الإحتفال بالذكرى العشرين لاندلاع الثورة المجيدة، وقد ظفر بهذه المناسبة بالجائزة الأولى. مسار هارون مع الرسم لم يتوقف أبدا، فقد شارك أيضا في رسومات مجلة ''ألوان'' وغيرها، ومع بداية سنوات التسعينات أسس هارون رفقة شلة من أصدقائه جريدة ''المنشار''، وفي هذا السياق يقول: ''عندما حلت الديمقراطية علينا في سنوات التسعينات، قررت أنا وأصدقاء رسامين إنشاء جريدة على شاكلة الجريدة الفرنسية ''لوكانار أونشيني'' فتحولنا كلنا من فناني الشريط المرسوم إلى رسامي الكاريكاتور، لكن هذه الجريدة توقفت عن الصدور''. توقف ''المنشار'' لم يثبط من عزيمة صاحبنا، فقد واصل مساره وهذه المرة مع مجلة ''الشاشة'' للتلفزيون الجزائري، وهو اليوم يشارك في مجلة الهداف برسومات حول الرياضة، ولكن يبقى مشروعه الجديد والمتمثل في جريدة''البندير'' مهما بالنسبة له وفي هذا الصدد يقول: ''أعددت رفقة سليم وعيدار ومواهب شابة هذه السنة، العدد الصفر من جريدة جديدة اسمها ''البندير'' عن دار النشر ''داليمان''، وأتمنى حقا أن يكون لهذا العمل حياة طويلة . ويشارك هارون في البندير بشخصية ''مقيدش''، التي لا يريد أن يغير من صفاتها، بل يصر في المحافظة على خصوصياتها وفي هذا يتحدث: ''أستطيع أن أجعل من مقيدش رائدا للفضاء أو أي شخصية أخرى، ولكنني لا أريد ذلك، بل أريد أن يظل مقيدش على حاله . ولكن أليس من واجب مقيدش أن يحكي ويعبر عن هموم الشعب الذي ينتمي إليه وبالأخص المعاصرة منها؟ ويجيب هارون بأنه تناول سابقا في الجرائد مشاكل الشعب، من خلال اختياره لظواهر عبر عنها برسوم، ولكنه يفضل أن يكون حرا في الشريط المرسوم، وأن يحافظ على طبع مقيدش وخصوصياته. ودائما في نفس الموضوع، يضيف هارون أنه طلب منه عندما كان يعمل في جريدة الشعب أن يرسم في الصفحة الأخيرة للجريدة ظاهرة ما، فرسم عن مشاكل النقل وكذا عن الطابور الذي لا ينتهي عند أبواب ''سوق الفلاح''، مضيفا أنه في معظم الأحيان كان لا يضع التعليق في الرسم، لأنه على يقين بأن القارئ سيفهم مغزى الكاريكاتور، وقد استغرق ذلك عشرين سنة كان يفكر فيها هارون كل ليلة في رسمة الغد. أما عن اختياره للمواضيع السياسية، وكذا تناوله من عدمه للطابوهات، فيقول هارون أنه بحكم عيشه سنوات الستينات، فإنه كان يدرك تماما الحدود والخطوط الحمراء التي لا يجب أن يتجاوزها، بالمقابل يرفض متحدثنا أن يرسم كاريكاتورا أو شريطا مرسوما عن السياسة في الوقت الحاضر، لاعتقاده أنه أصبح رجلا أكثر تعقلا بحكم السن، وكذلك لرفضه المساس بأي شخص. ويعتبر هارون أن كاريكاتور الجريدة هو كالصحفي، ولكنه عوض أن يكتب فهو يرسم، ويستطرد قوله أن الكاريكاتوري يوّضح الهدف الذي يريد بلوغه من خلال ذلك العمل الفني، أما الشريط المرسوم فيمكن أن يكون أيضا وسيلة وأداة للتحسيس حول موضوع ما، ويتحقق هذا حسب مقصد الرسام من خلال عمله الفني. ويضيف فناننا أنه ليس من السهل إيصال رسائل معينة للجمهور، فهذا يتوقف على النضج الفني معتبرا في الصدد نفسه أن فنان الشريط المرسوم وبحكم عدم وجود تكوين لهذا الفن في الجزائر، مجبر على تعلم تقنيات هذا الفن لوحده وصقل موهبته بنفسه، واختيار أسلوبه في الرسم علاوة على استعانته بمن هم أكثر خبرة منه، مثلما كان عليه الحال بالنسبة لصاحبنا الذي تلقى نصائح من أستاذ حول كيفية تقطيع المشاهد في الشريط المرسوم لمقيدش. ورفض أحمد هارون أن يعتمد على الكمبيوتر في إنجاز أشرطته المرسومة، حيث أكد أنه يستعمل الريشة في تلوين شخصياته، فهو لا يرضى أن يتحكم الكمبيوتر في اختيارات الألوان التي يستعملها، بالمقابل كان هارون يستعمل اللونين الأبيض والأسود في أعماله الموجهة للجرائد، إلا في المناسبات مثل عيد الإستقلال، فقد كان يرسم في الصفحة الأولى مستعملا الألوان، أما اليوم فيشير هارون إلى أن استعمال الألوان لم يعد صعبا بفعل وجود الطابعة التي تطبع بالألوان. وعن مستقبل الشريط المرسوم في الجزائر، قال هارون أنه متفائل مضيفا بأنه تحدث مع وزيرة الثقافة حول هذا الموضوع، وهذا على هامش فعاليات المهرجان الدولي للشريط المرسوم الذي نظم مؤخرا بالجزائر، وقد وعدته الوزيرة بخفض ثمن الورق، مما سيمكن الشباب من نشر أعمالهم في الشريط المرسوم، خاصة أن هناك الكثير منهم من يتمتع بالموهبة، وهو ما برز جليا في المسابقة التي نظمت في هذا المهرجان.