أدت الارتفاعات الأخيرة في سعر الذهب، وبلوغه حوالي 5 آلاف دج للغرام بالنسبة للذهب المحلي و6 آلاف دج للغرام بالنسبة للمستورد إلى ضعف حركة البيع في السوق المحلية، لينحصر النشاط في الاستبدال وإصلاح القطع المكسورة، وأكد عدد من تجار الذهب في حديثهم مع ''المساء'' أن هذا المعدن سيسجل خلال الفترة القصيرة المقبلة ارتفاعات أخرى ستكون قياسية، مشيرين الى مسألة إلغاء التعامل بالتقسيط، فيما أشار بعض التجار إلى احتمال تغيير النشاط إذا استمرت موجة ارتفاع أسعار الذهب. شهد الإقبال على الذهب بالسوق المحلية تراجعاً كبيراً هذا العام مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتجاوز ال70 بسبب سرعة الارتفاع الذي سجلته مؤخرا أسعار الذهب بالبورصة العالمية، وتأسف التجار للضعف الشديد والتراجع الواضح في حركة الشراء، موضحين أن حركة الشراء اقتصرت في الفترة الأخيرة على المضطرين، في الوقت الذي تشهد فيه السوق منذ أشهر موجة بيع للذهب المستخدم من المواطنين للاستفادة من هامش الربح الكبير. من جهة أخرى دفع الارتفاع المستمر لأسعار الذهب أصحاب محلات المجوهرات إلى إلغاء نظام التقسيط في تعاملاتهم، وهو ما يزيد في معاناة الزبائن غير القادرين على دفع حق القطع الذهبية دفعة واحدة، وحجتهم في ذلك أن فكرة تقسيط الذهب فكرة غير جيدة للطرفين، فالتاجر هنا يبيع بخسارة أما الزبون فلا يستفيد من أي تخفيض.
حالة ترقب مستمرة من طرف التاجر والزبون يقول تجار الذهب ل''المساء'' إن حركة الشراء في سوق الذهب منذ ,2008 تاريخ بدء ارتفاع أسعار الذهب، أصبحت تفرضها الحاجة فقط من أجل المناسبات الاجتماعية، متوقعين أن تعرف حركة الشراء تراجعا متواصلا، إذ تغيرت نظرة الجزائريين إلى الذهب تماما عما كانت عليه في السابق، فقد أصبح الفرد يقوم بشراء حاجته من الذهب خلال مناسبات الزواج بالدرجة الأولى، على عكس ما كان يحدث في السابق عندما كان الذهب يعد مصدر ادخار لكثير من الأسر الجزائرية. يقول أحد التجار إن شراء الذهب حتى وقت قريب كان أقرب إلى المثل المعروف ''الذهب زينة وخزينة''، أما الآن فأصبح للزينة فقط بسبب ارتفاع أسعاره، وأوضح التاجر أن هناك حالة ترقب لحركة الأسعار من قبل التجار والمستهلكين على السواء. ''قبيل سنوات لم يكن الزبون يسأل عن سعر الغرام، أما ما لاحظته مؤخرا هو أن أي زبون امرأة أو رجلا يسأل بمجرد دخوله المحل: إلى أين وصل سعر الغرام! معتقدين أنه سيتراجع قليلا رغم أن ذلك غير وارد حاليا''، ويتحدث التاجر بنبرة أسف على هذا الوضع بقوله: ''منذ 2008 الى اليوم ركدت تجارة الذهب تماما، ولأسابيع متتالية لا أسجل بيع قطعة واحدة بسبب هذا الغلاء.. وأكتفي منذ مدة بعرض السلعة بالمحل وأبقى ارمقها طوال اليوم ثم أعيدها للخزنة مساء وهكذا، فحتى ظاهرة تقديم الهدايا من قطع ذهبية انعدمت تماما''. ويقول الصانع إن سنة 2010 شهدت ارتفاعات متتالية للذهب لأسباب تبقى مجهولة، فمنذ جانفي 2010 الى ديسمبر 2010 ارتفع سعر الغرام الواحد من الذهب المضمون (أي بالدمغة) من 4 آلاف دج إلى 5 آلاف، مرورا ب 4300 ثم 4500 ثم 4800 دج، وأشار التاجر إلى مسألة إلغاء الشراء بالتقسيط إلا في حالات معينة لا تتجاوز 3 أشهر أو أن يتجاوز سعر القطعة مثلا 150 ألف دينار، وفي هذه الحالة يدفع الزبون نصف السعر ثم يقسط باقي المبلغ على مراحل يتم التفاهم عليها، وأرجع التاجر سبب إلغاء التقسيط إلى ''تفادي الخسارة بالنسبة للبائع والمشتري، فبالنسبة للبائع تتمثل خسارته في احتمال تضاعف سعر الغرام، وبالتالي الخسارة في هامش الربح، أما خسارة الزبون فتتمثل في تراجع غرامات القطعة الواحدة، فحتى الموّرد نفسه الذي كان مسبقا يتعامل بالتقسيط معنا نحن التجار أصبح حاليا يطلب المبالغ نقدا خوفا من تقلبات أسعار الذهب''، كذلك أكد نفس التاجر ملاحظة تراجع اقتناء الهدايا من قطع ذهبية، وأشار إلى ''تزايد إقبال المواطنين على الذهب غير المطبوع الذي تشهد أسعاره فرقا كبيرا بالنسبة للذهب المراقب، كما زادت ظاهرة اقتناء الإكسسوار أو الفضة ثم طليه بالذهب بنسبة تصل إلى 20 من الزبائن''. أما تاجر آخر فقال إن ظاهرة التقسيط لم يتم إلغاؤها كلية، وإنما تغيرت صيغتها فقط، بمعنى أن اختيار القطعة ثم تقسيط ثمنها لمدة قد تصل السنة قد تم تجاوزه، وتم تعويضه بصيغة تقسيط مبالغ شهرية دون اختيار القطعة بعينها وبعد استيفاء مبلغ معين يتقدم الزبون لاختيار ما يعجبه من قطع، أما الخسارة بالنسبة لهذا التاجر فتتمثل في تراجع الطلب مقارنة بتوفر العرض.
بيع القطع الذهبية للاستفادة من هامش الربح لم ينف أحد الصاغة أن ''أزمة ارتفاع أسعار الذهب ألقت بظلالها على الشباب المقبل على الزواج، فأضحى يقتني قطعا منفصلة بدل شراء طقم كامل، ويقترح عدة حلول من شأنها المساهمة في حل أزمة تراجع المبيعات، منها تحرك البنوك لتمكين الشباب من القروض الحسنة لإكمال نصف دينه كما تقتضيه العادة. وقد ساهم ارتفاع سعر الذهب، في زيادة إقبال المستهلكين بالسوق المحلية على بيع مقتنياتهم من المنتجات الذهبية، وفقاً لما ذكره التجار، مؤكدين وجود شريحة من المستهلكين تنتظر مزيداً من الارتفاع في الأسعار لبيع مقتنياتهم، ففي مثل هذه الأوضاع التي يكون سعر الذهب مرتفعاً، تشهد الأسواق زيادة في عمليات إعادة البيع من جانب المستهلكين للاستفادة من هامش الربح الكبير.
استهلاك 15 طنا من الذهب سنويا في الجزائر عزا مصدر مسؤول من الوكالة الوطنية لتحويل وتوزيع الذهب والمعادن الثمينة ''أجنور'' سبب الارتفاعات المتواصلة التي سجلتها أسعار الغرام الواحد من الذهب بالسوق المحلية الى تقلبات أسعار هذا المعدن في البورصة العالمية من جهة، وإلى لجوء دولتي الصين والهند الى شراء احتياطات كبيرة منه بالنظر الى تدني سعر العملات الورقية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، وكشف ذات المصدر أن السعر الحالي للذهب قد وصل في 5 ديسمبر الحالي (تاريخ إجراء هذا التحقيق) إلى 1400 دولار للأونصة، مع احتمال وصوله إلى 2000 دولار مع نهاية السنة الجارية، وعليه فإن سعر الغرام الواحد في المحلات سيعرف هو الآخر ارتفاعا غير مسبوق، خاصة مع ازدياد العرض وقلة الطلب. وأثر هذا الارتفاع المحسوس في سعر غرام الذهب بشكل مباشر على المستهلكين الذين أبدوا امتعاضهم من لجوء أصحاب المحلات إلى إلغاء التعامل بصيغة البيع بالتقسيط للتخفيف من وطأة الأسعار، وفي السياق كشف مصدرنا أن ''التقسيط يعتبر خسارة حقيقية، فمثلا صائغ اشترى خاتما ذهبيا من 2 غرام بسعر خام يقدر ب 8 آلاف دج، يعرضه للبيع في محله ب 10 آلاف دج، ولكن بتقسيط هذا المبلغ وبعد مدة يتقدم ذات الصائغ لشراء غرامات من الذهب من المفروض أنها تعادل 5,2 غرام بعد تحقيق هامش ربح، غير أن الواقع يثبت أن الصائغ سيشتري 8,1 غرام فقط بسبب ارتفاعات أسعار الغرام، وهذه خسارة فعلية''. ويضيف المصدر: ''هذا الوضع الراهن جعل التجار يتعاملون مع الموردين بدفع المبالغ كاملة عند الشراء أو أن يؤجل التاجر دفع مستحقاته، وعندها عليه أن يدفع حق السلعة حسب السعر الجديد تبعا للبورصة العالمية''. ويتابع ''لا يمكن الجزم بأن التجار يسجلون خسارة بأي شكل من الأشكال، فالسوق حرة وكل واحد حر في تحديد الأسعار كيفما يشاء''. وفي مقام آخر أشار ذات المصدر إلى أن الأرقام التي تم الكشف عنها مسبقا تشير الى استهلاك حوالي 15 طنا من الذهب في السنة بالجزائر، ''إلا أنه يسجل غياب دراسات جدية في الموضوع تعتمد على مقاييس عالمية''، كذلك تحدث المصدر عن أرباح مؤسسة ''اجنور'' الحالية التي حققت مع نهاية 2010 ربحا صافيا يقدر ب 50 مليون دينار في وقت كانت ذات المؤسسة تعاني من عجز رافقها لعشرية كاملة''. أما عن احتمال تراجع أسعار الذهب فيقول محدث ''المساء'': '' كل شيء وارد، ففي الأخير الأسعار مرتبطة بالبورصة، ومن الممكن جدا أن يتراجع سعر الذهب، وهو ما يعني أن ينخفض سعر الغرام في المحلات عما هو عليه الآن، وسيتم حينها استحداث سعر وسطي، يعني السعر القديم يضاف له السعر الجديد ويقسم على اثنين فيعطينا السعر الجديد الذي لا يمكننا التكهن به مسبقا، أما السعر الحالي المعروض به سعر الغرام بمؤسستنا فقد وصل إلى 3950 دج'' .