يجزم المحضرون القضائيون أنه لن يسلم أحد منهم من المواقف الحرجة أثناء تأدية عمله في الميدان، ويروي عدة محضرين ل ''المساء'' في هذا الاستطلاع جانباً من يومياتهم ومواجهاتهم للمصاعب والمخاطر التي يعيشونها خلال تأدية مهامهم، خاصة وأنه ترسخ في أذهان الناس أن حضور ''اللوسي'' يعني بداية النكد وسبب المشاكل، فمعظم المهنيين لم يسلموا من الاعتداءات رغم أنهم يكونون في أغلب الأحيان مرفوقين بأفراد الأمن، حيث تم تسجيل أزيد من 158 حالة لمحضرين تعرضوا لاعتداءات جسدية في السنوات الأخيرة، لكن رغم ذلك فإن القائمين على هذه المهنة يرون أن هناك ثقافة بدأت تنتشر بين الناس، تحترم أهل المهنة وتتفهم الأمور. لم يتردد المحضرون الذين التقتهم ''المساء'' في سرد وقائع بعض المغامرات التي طبعت حياتهم المهنية والتي بلغت إلى حد تعرض حياة بعضهم للخطر جراء الاعتداءات التي طالتهم وهم يقومون بتنفيذ أحكام قضائية، من بين هؤلاء محضر يمارس مهنته بالعاصمة كاد يفقد حياته بأحد الأحياء، عندما حاول أحد أفراد عائلة صدر حكم في حقها يقضي بضرورة إخلاء المسكن وتسليمه لصاحبه الذي رغم أنه لم يتقاض الإيجار المتفق عليه منذ أكثر من 15 سنة، فإن العائلة المستأجرة رفضت الخروج منه وأصرت على البقاء حتى بعد صدور الحكم القضائي النهائي، ويروي المحضر ''ب.م'' أنه توجه صبيحة 15 ماي من سنة 2002 إلى مسكن العائلة المطالبة بإخلاء ذلك المسكن وهو مرفق بالقوة العمومية ففوجئ بأحد أفراد تلك العائلة وهو يحمل قضيباً حديدياً بيد وقطعة حجر بأخرى وقد وقف أمام الباب الخارجي وهو يهدد بأنه سيقتل كل من يتجرأ على الاقتراب منه ولم يكن الرجل - حسب محدثنا - يبالي بتواجد عناصر الشرطة بالمكان وقال محدثنا ''عندما تقدمت نحوه محاولاً تفسير الأمور وتهدئته ضربني بالقضيب وكان ينوي استهداف رأسي، إلا أنه لحسن حظي أصبت على مستوى الذراعين اللذين استعملتهما لحماية نفسي. وتطلب الأمر تدخل قوات الأمن التي تكفلت بنقلي إلى المستشفى، حيث تم تجبيس ذراعي بعد أن لاحظ الطبيب كسراً بالغاً به''. نجوت بأعجوبة من الموت ومن تشوه أبدي في وجهي... وقالت المحضرة ''م.ن'' من العاصمة من جهتها، أنها نجت في إحدى المرات بأعجوبة وهي تقوم بمهمتها بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، عندما حضرت لتنفيذ حكم الطرد في حق مواطن استولى على شقة جاره وأقام بها لعدة سنوات قائلة ''لم أكن أتصور أن تحدث لي تلك الواقعة في ذلك اليوم رغم أنني كنت مصحوبة بعناصر من رجال الأمن، خاصة وأن في ذلك اليوم لم يكن أحد موجوداً بالمسكن سوى النساء، حيث كان رب البيت في عمله، الأمر الذي اطمأننت إليه كون النساء أكثر هدوءا، إلا أن العكس هو الذي حدث بعد أن استقبلتني سيدة بقارورة زجاجية وقذفتها نحو وجهي، بينما أشهر ابنها الشاب السلاح الأبيض في وجهي ولم تكن بيننا سوى بعض الأمتار، مما اقتضى تدخل رجال الشرطة الذين سيطروا على الوضع فورا''.وتستطرد المحضرة تقول ''مهمتنا صعبة للغاية، فالناس ينظرون إلينا على أننا ''ظالمون'' في حين أن ما نفعله هو تطبيق القانون ليس إلا، كما راح المحضر القضائي ''سعيد.ك'' يتذكر ما حدث له طيلة ممارسته لمهمته من وقائع مفاجئة وهي كثيرة على حد قوله، إلا أن حادثة الرويبة قبل سنة هي المأساة التي لا تريد الأيام محوها من ذاكرته، فبينما هو يقوم بتنفيذ ما جاء في حكم قضائي صادر عن محكمة الجزائر ويتمثل في حكم طرد كذلك، صعد أحد أفراد العائلة المعنية بالطرد إلى سطح المنزل المتكون من طابقين وهدد بالانتحار حرقا وفجأة وعلى مرأى الجميع سكب البنزين على جسده ثم أضرم النار ليتوفى بعد ساعات من نقله إلى المستشفى ولم تنته الحادثة عند هذا الحد، بل قام والد الشاب بالاعتداء على المحضر مهددا إياه بالقتل كما حاول الاعتداء على رجال الأمن، مما كلفه دخول السجن وبالتالي تحطيم أسرة بأكملها، وفي حادثة شبيهة بهذه هددت إحدى الأمهات بإلقاء رضيعها من شرفة عمارة إذا تم تنفيذ حكم طرد صادر في حق أسرتها من طرف محضر جاء لتنفيذ الحكم، مما اضطر إلى تأجيل التنفيذ إلى موعد لاحق تفاديا لوقوع كارثة. المهمة أكثر صعوبة عندما يتعلق بترسيم معالم الحدود ويؤكد لنا رئيس الغرفة الجهوية للمحضرين القضائيين للوسط أن الصعوبات ومثل هذه الاعتداءات يتم تسجيلها خاصة بنسبة أكبر بالمناطق الريفية وشبه الريفية عندما يتعلق الأمر بترسيم معالم حدود الأراضي وكذا أحكام الطرد، وتدخل شهادة ''ع.ش'' محضر من عين الدفلى ضمن هذا النوع من القضايا، حيث أكد لنا أن الاعتداءات تكاد تصبح أمراً عادياً بالنسبة للمحضرين كلما أقدموا على تنفيذ الأحكام، مضيفاً أنه تم استهدافه مرات عديدة وهو يمارس مهمته في بعض المناطق الجبلية بالمنطقة، حيث يتشبث صاحب الأرض بأرضه بصورة غير عادية قائلاً ''لقد تعرضت لاعتداء من طرف امرأة رشقتني بقارورة زجاجية مكسورة، كما لاحقوني في ثلاث مرات بأدوات حديدية كان علي في كل مرة أن أفر بجلدي قبل أن يصيبني مكروها''، مضيفاً ''... لا ادري كيف ستكون نهايتي خاصة وأن هذا الأمر يتكرر في كل مرة''. وإذا كانت حالات الاعتداء ومحاولات الاعتداء تتكرر في الكثير من الحالات، إلا أن الملاحظ من جهة أخرى هو أن المواطن أصبح يتفهم أكثر ويحترم ما يصدره القضاء من أحكام، كما أصبح يقترب أكثر فأكثر من العدالة لأنه يعلم انه تعب للحصول على الحكم، كما انه أنفق عليه أموالا في الكثير من الحالات تكون كبيرة، فالمحضر القضائي يعتبر مرشدا وموجها ومعلما فعندما يتعلق الأمر بحكم غيابي يقوم هذا الأخير بتقديم كل المعلومات للمواطن حتى يستأنف خلال المدة المحددة لذلك، فهو ملزم بتطبيق منطوق الحكم بحذافيره. 158 محضراً تعرضوا للاعتداء الجسدي وكشف رئيس غرفة الوسط من جهة، وبخصوص هذه الاعتداءات عن تسجيل حوالي 158 حالة اعتداء جسدي على المحضر، أثناء عملية التنفيذ وأن أغلبية حالات الاعتداء تحدث عندما يتعلق الأمر بالطرد وتحديد معالم حدود قطع أرضية، حيث نجد أن الشخص يرتبط ارتباطا شديدا بالأرض ويصعب عليه التنازل عنها، ويضيف محدثنا أن أحد المحضرين تعرض إلى ضربة ساطور على رأسه كادت ترديه قتيلا ببرج البحري بسبب قطعة أرض، مستدلاً أيضاً برئيس الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين الأسبق السيد حماد الذي تعرض لاعتداء بالسلاح الأبيض أصيب على أثره بجروح بليغة على مستوى الذراع كلفه قضاء شهر كامل في المستشفى. وحسب مصدرنا، فإنه خلال العشرية السوداء تعرض العديد من المحضرين القضائيين كغيرهم من زملائهم في العديد من المهن الأخرى لعمليات الاغتيال منهم 7 بمنطقة الوسط وحدها وأحرقت 20 سيارة تابعة لمحضرين، بينما نجا منهم أزيد من 22 بنفس المنطقة بأعجوبة، أحدهم تعرض لمحاولة اغتيال ثلاث مرات نجا فيها جميعها، مضيفاً أن لمهنة المحضر أخطاراً ككل المهن ولكن ما يجعل هذه المهنة أكثر صعوبة هو الاحتكاك المباشر مع المواطن وأكثر من ذلك فالمحضر أو كما يشاء الكثير مناداته ب ''اللوسي'' ينظر إليه نظرة متشائمة كون حضوره إلى مكان ما يعني أن هناك خبراً غير سار، والحقيقة أن الأحكام القضائية مهما كانت عادلة إلا أنه لا خير فيها إذا لم تنفذ كما قال رئيس الجمهورية في إحدى المناسبات.