كان (فيكتور هيغو Victor Hugo)، صاحب نزعة استعمارية على غرار العديد من أهل الأدب في فرنسا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر بالرغم من شاعريته المجنحة. وكان الناثر العبقري (شاتوبريان Chateaubriand)، واضع (مذكرات ما وراء القبور)، إنسانا أوربيا، مغرقا في أوربيته، حاقدا على الإسلام والمسلمين، وناقما بوجه خاص على العثمانيين الذين رأى فيهم خطرا على الحضارة الغربية الناشئة في سعيها إلى وضع أقدامها وترسيخها في العالم العربي الإسلامي. بل إنه قال ما معناه إذا لم تكن أوربا تريد المسلمين فما عليها سوى أن تقف في وجوههم جميعا لأنهم يوشكون أن يضعوا أقدامهم في باريس وفي فيينا وروما. وقد يكون الشاعر (لامارتين Lamartine) من القلائل الذين نحوا منحى إنسانيا حيال العالم العربي الإسلامي. فلقد وضع كتابا عن النبي محمد (ص)، هو من ألطف الكتابات الغربية التي عالجت التاريخ الإسلامي بعيدا عن أية نعرة وعن أي حقد. وهذا الكتاب الذي مضى عليه حوالي مائة وخمسين عاما لم يعرف طريقه إلى اللغة العربية، ويا للأسف! وبطبيعة الحال، هناك بعض الجوانب التي عالجها والتي قد لا ترضي أفهامنا وأذواقنا بحكم أنه نظر إلى الرسالة المحمدية من خلال مطالعاته في كتب المستشرقين وغيرهم ممن تناولوا هذا الموضوع، لكن كتابه هذا يظل جديرا بالتنويه به. هناك فرق بين كتابات شاتوبريان الذي رحل إلى الشرق، وجال بالأماكن المقدسة، ضمن ما كان يعرف بالرحلات المشرقية للأدباء الرومانسيين، وبين كتابات الشاعر ( جيرار دونرفالDe Nerval) الذي قام بنفس الرحلة، ودون ما رآه بكل موضوعية. قد يكون فيكتور هيغو إنساني النزعة في نثره وشعره، لكن هذه النزعة سرعان ما تتحول إلى حقد ونقمة كلما تعلق الأمر بضرورة فرض السيطرة الفرنسية على الجزائر وعلى غيرها من المستعمرات. ولعل قصائده التي وضعها عن العثمانيين وعن الحروب التي دارت بينهم وبين اليونانيين خير مثل في هذا السياق، شأنه في ذلك شأن الرسام (دولاكروا Delacroix)، ذلك الذي كان أول من أدخل عنصر السياسة في الفن التشكيلي، ومن بين أوائل الذين عالجوا موضوع الشرق من زاوية استعمارية بحتة. وما زال الزمن يكشف لنا عن جمهرة الأدباء والفنانين التشكيليين الذين كان لهم ضلع كبير في ترسيخ السيطرة الاستعمارية، وفي تشكيل النظرة الدونية إلى كل ما هو عربي إسلامي.