أديبة، كاتبة، قاصه، شاعرة، باحثة تنشر أعمالها بالعديد من الصحف العربية، هي حياة الرايس من تونس الخضراء رئيسة رابطة الكاتبات التونسيات، نالت وسام الاستحقاق الثقافي من لدن رئيس الجمهورية التونسية سنة ,2001 تتقن العربية، الفرنسية و الإنكليزية، نشرت العديد من الأعمال الأدبية على غرار ''ليت هندا''، ''جسد المرأة، من سلطة الإنس إلى سلطة الجن المرأة''، ''الحرية ، الإبداع ''، ''سيدة الأسرار، عشتار'' كما تجتهد لطبع أعمال أخرى على غرار ''طقوس سمراء''، ''مدن أحببتها''، ''نساء في الذاكرة''، وتُرجمت أعمالها إلى الفرنسية، الإسبانية و الدانماركية. التقتها ''المساء'' خلال آخر إطلالة لها على مدينة الصخر العتيق للمشاركة في تظاهرة ثقافية، فكانت لنا معها هذه الدردشة بمسرح قسنطينة الجهوي. بداية كيف كانت إقامتك بمدينة الجسور المعلقة؟ جئت إلى قسنطينة قبل أن أجيئها وأقمت بها قبل أن أقيم بها، جسورها الكبيرة امتدت إلى قلبي قبل أن أمتطي الطائرة، هي مدينة تتربع على عرش صخرة عظيمة تقف على قمم جبال صخرية هي حقا مدينة عظيمة، وقد كتبت عنها قبل أن أزورها، أنا لدي عشق للمدن فإذا أحببتها كتبت عنها وأنا بصدد إعداد كتاب عن أدب الرحلات سميته ''مرايا المدن''، أصف فيه جمال وروعة المدن التي سحرتني على غرار صنعاء، باريس، القاهرة، برشلونة، كوبنهاغن، بيروت، دمشق، بغداد مراكش وطبعا قسنطينة. أنت إذن من عشاق المدن الجميلة؟ قلتها صراحة، أنا أعشق المدن مثل عشق الرجال، وعلاقة الإنسان بالمدن هي علاقة ذاتية بحتة، زرت الكثير من المدن ولكن القليل منها فقط أوقعتني في حبها فكتبت عنها، وقسنطينة من بين هذه المدن التي كتبت عنها حتى قبل زياراتها، فكانت بداية نص سيتواصل بعد الزيارة. وكيف كانت التظاهرة الثقافية التي شاركت فيها؟ تمت دعوتنا للمشاركة في مهرجان الشعر النسوي، وقد أسعدنا ذلك كثيرا، حيث كان لقاء جميلا، يكفيه أنه سمح لنا بالتعرف على عدد من الشاعرات الجزائريات من مختلف أنحاء الجمهورية سواء في الشعر الفصيح، الشعبي أو الأمازيغي، فكانت فرصة جد سانحة خاصة وأن الشعر الشعبي والثقافة الشفاهية دائما مهملة، تهملها المدونات الشعرية على حساب الشعر والثقافة الرسمية، لقد استمعنا باهتمام كبير وتركيز خلال سهرية نظمت على هامش التظاهرة حيث استمتعنا كثيرا وكانت لدينا رغبة كبيرة في الاستماع للآخر، وهذا التنوع والإثراء هو المنشود في هذه الملتقيات، كما استمعنا لفرقة موسيقية من صحراء الجزائر وكان أكبر استمتاع. بما أنك تنشطين في الحقل الأدبي وبالتحديد في الشعر، كيف تقيمين مستوى الشعر النسائي بالمغرب العربي؟ من خلال تجربتي وتجولي في المدونات الشعرية، أرى أن هناك أصوات متقدمة جدا ومميزة برهنت على وجودها في الساحة العربية وليس المغاربية فقط. ولماذ لا نجد هذا التميز في سوق الكتاب؟ أظنه إجحاف في حق الشعر والأدب بصفة عامة، والمتسبب فيه هم الكتاب المغاربة والإعلام المغاربي، الذي لا بد أن يدير ماكنته كما تدار في بيروت أو القاهرة، فنحن حتى الآن لسنا عاصمة ثقافية. ولماذا لم ينطبق عليك هذا الأمر؟ أنا ربما حالة خاصة بعض الشيء لأنني عُرفت في المشرق قبل المغرب العربي، حيث كنت أول تونسية تتخرج من قسم الفلسفة بجامعة بغداد ومن أول صف جامعة وأنا أشتغل بالإعلام حيث كنت مراسلة إذاعة عمان، وأنا شخصيا منتشرة بشكل جيد لأنني نشرت في القاهرةوبيروت 3 كتب، رغم أن أول إصدار لي كان في تونس وحضوري بتونس مثلما هو بالمشرق، وأنا شخصيا لا أعاني من هذه الحالة رغم وعييى بها، قضية المركز والهامش. في الوقت الحالي بدأت بوادر بزوغ مغاربي على الساحة الأدبية العربية، كيف تفسيرين ذلك؟ بدأت الأمور الآن في التغير، الشرق بدأ يفتح عيونه على منطقة المغرب العربي ويكتشف إبداعاته، ونحن في المغرب العربي نتميز بوجود النص الشعري، كما أن دور النشر بدأت تعمل وتكتشف، خاصة في ظل وجود فرضية أن المشرق استهلك والمستقبل للمغرب العربي الذي اعتبره ما زال خاما. ألم يتبادر إلى نفسك يوما وطرحت سؤال لماذا تكتبين شعرا؟ (تبتسم)، ربما هي حالة طبيعية جدا تستعصي على أي تحليل منطقي، فهي مثل حالة الولادة أو الخلق، فأنت لا تسأل المرأة لماذا أنت في حالة ولادة دائمة والفرق الوحيد أن الأنثى تستطيع التحكم في نسلها والشاعرة لا تستطيع التحكم في تدفق شعرها أو أن تحبس سلاستها، وشخصيا أقول أنا كثيرا ما يكتبني الشعر أكثر مما أكتبه، تتجلى في ذاتي الحالة الشعرية ثم تخرج هكذا، تعلن عن نفسها في القصيدة، فأنا أكتب لتثبيت لحظة وجودية زاخرة بالعطاء لا أستطيع أن أكبتها كغيمة حبلى، فأنا غيمة أمر مرور السحاب مرة تأتي ومرة لا تأتي ومرة أكون زاخرة فلا أستطيع أن أمسك نفسي عن المطر لأروي أرضا صحراوية عطشى إلى الكلمة والقول والبوح، فهل رأيت من يمنع غيمة عن المطر؟ متى تشعرين بضرورة البوح والكتابة؟ أظن أن الشعر خيط تواصل مع الآخر، ما نريد أن نوصله للآخر بطريقة إيجابية، لأن تقول أول لا تقول لكي تترك المعنى بين السطور للقارئ، من هذا المنطلق نكتب ونبوح. وأي شعور يساعدك على الإبداع، الفرح أم الحزن؟ الفرح لا يعطينا شيئا فهو شعور ساذج وغبي وسطحي، الخوف مطلوب، فعندما يتجلى يعطي عمقا، أنا في حالات الحزن قلبي لا تتسع له البحار والسماوات والأراضي، حيث يمتد هذا الشعور ويمتد دون نهايات إلى أطراف الدنيا، حتى الغضب مطلوب أيضا، فهذه اللحظات البركانية يحتاجها الشاعر. من هم الشعراء الأقرب إلى نفسك أو الذين اثروا فيك؟ أنا شاعرة ساردة وحكاءة والكاتبة والأديبة التي أثرت حقا في وفتحت عينيّ على مدونتها على غرار بنات جيلي، هي غادة السمان التي أعتبر نفسي واحدة من تلامذتها، فهي تمتاز بقوة الكلمة، سلطتها، جمالها وثورتها، كما تمتاز بالفكر النقدي المتقد، لقد بهرت بكتاباتها منذ الصغر، حتى أن النقاد يقولون عني أني متأثرة بها ولكن لا أكتب مثلها، فصوتي متفرد وأستطيع أن أفتخر بانتمائي لامرأة عظيمة مثل هذه المرأة التي استفزت المستنقع العربي الراكد الذي يخاف من السؤال، فهي كانت لا تخشى السؤال وتعلمت منها التمرد على الشيء، على الفكر الراكد والجامد، علمتنا أن نقول كل ما نقوله دون قفازات، علمتنا سحر الكلمة وأن الكتابة هي أن تقول أو لا تقول ولهذه الأسباب ربما توصف بعض كتاباتي بالجريئة. تأثرت أيضا وانبهرت بكتاب أمريكا اللاتينية على غرار غبريال غرسيا ماركيز، كورتزال، أستورياس وإليزابث أغاندي. في ختام التظاهرة، التقيت بالمدينة وبأهلها، فكيف كان شعورك؟ لم تحدث لي صدمة تنافر مع المدينة التي كما قلت جئتها قبل أن تطأ رجلاي أرضها، بل بالعكس، تعمق ذلك الحب بوداعة أهلها ومازلت ألامس قلب المدينة فأنا أريد أن أنفذ إلى روحها وإلى روح الإنسان القسنطيني، فالمدينة ليست حجارة، بل هي روح وعمق وأنا أشعر بنبض هذه المدينة. كلمة أخيرة نود أن توجهي من خلالها نصيحتك للشاعرات المبتدئات. أوجه لكم جزيل الشكر لهذا الاهتمام ولكل قراء جريدتكم الأوفياء، كما أنصح الشاعرات والكاتبات المبتدئات وحتى المتمرسات بكثرة المطالعة، ففي عصر الجاهلية كان يجلد الشاعر الذي يقول شعرا دون أن يحفظ ألف بيت شعري، وألاحظ أن هناك تسرعا بالكتابة التي تحتاج إلى كثير من الصبر وأن يعيش صاحبها عمق تجربته التي ينقلها وأن يحيا ثم أن يكتب ثانيا.