استأنفت المكتبة الوطنية بالحامة أول أمس نشاطها الثقافي بعد انقطاع دام سنتين، وذلك باستضافة الدكتور محي الدين عميمور لتقديم كتابه الجديد ''أربعة أيام صححت تاريخ العرب''، الذي فتح جدلا واسعا في الأوساط الثقافية على امتداد الوطن العربي. في كلمته الترحيبية، أكد السيد عز الدين ميهوبي على أهمية الدور الثقافي للمكتبة الوطنية، وعلى رأسه الكتاب الذي سيبقى محور كل الأنشطة وأصل المادة التي نلجأ إليها في أي مجال كان.وصف ميهوبي الدكتور عميمور، بصاحب الأعمال المتنوعة والشجاعة، وصاحب الجرأة التي تلامس الخطوط الحمراء، علما أنه في هذا الكتاب الجديد الذي أنجزه في ظرف أربعة أشهر، واصل النبش في وثائقه وذاكرته وذاكرة الآخرين وكل ماهو مرتبط بدور الجزائر وعلاقتها بالقضايا العربية والدولية، وكذا إبراز مواقف وتفاصيل قد لا تصدق لولا الوثائق والشهادات المقدمة. من جهته، أكد الأستاذ عبد العالي رزاقي أنه تعلم أصول الكتابة الصحفية من الدكتور عميمور، مشيرا إلى أن ''أربعة أيام صححت تاريخ العرب''، هو ثالث كتاب يصدر حول الأزمة الجزائرية المصرية بعد الحادثة الكروية بمصر وأم درمان، إلا أنه في كل كتاب نتلمس رؤية المؤلف الخاصة به وعند الدكتور عميمور، فإن الأربعة أيام تشير إلى الأيام التي فصلت بين المقابلة الأولى والثانية بين المنتخبين الجزائري والمصري. يضم الكتاب 64 مقالا كتبت بين 6 ديسمبر 2009 و19 مارس .2010يخلو الكتاب من الفصول بل هو عبارة عن مقالات ومقدمة وخاتمة، كما يخلو من سرد الأحداث بشكل أجوف ويحمل وثائق وصور تنشر لأول مرة، والأهم أن الكتاب لم ينحز لأي بلد لا للجزائر ولا لمصر. الدكتور عميمور وصف لحظة صدور الكتاب عنده وعند أي مؤلف، كان هو بمثابة مولود جديد لا يتأتى إلا بالوجع ليصبح جزءا من حياة أمه.يقول عميمور، أنه يعتز بهذا الكتاب تماما كما يعتز بكتابه ''تجربتي في باكستان''. كتاب ''أربعة أيام صححت تاريخ العرب'' بدأ بمقال عن مقابلة كروية، أريد فيه وضع النقاط على الحروف، ثم كانت الوجهة نحو تطهير جرح عميق بين البلدين، بعدما اشتد جبل الجليد بينهما فالأزمة حسب عميمور أعمق من مقابلة كروية. حرص المؤلف بشكل خاص على التزام الموضوعية وعلى احترام شعب مصر الشقيق وقياداته الوطنية، وعلى التذكير دائما بأن ما قام به سفهاء القوم لا يمكن أن يشوه صورة الشعب الشقيق أو يسيء إلى الدور الهام المنوط بأرض الكنانة على الساحة العربية.يقع الكتاب في 455 صفحة من الحجم المتوسط، يحوي مادة وثائقية هامة ارتكز فيها الكاتب على عدد من المذكرات التي كتبها مسؤولون مصريون سامون، من بينهم السادة محمد حسنين هيكل والدكتور بطرس غالي والفريق سعد الدين االشاذلي والمرحومون محمود رياض واسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، إضافة إلى معلومات عايشها الكاتب شخصيا. حرص عميمور على أن يضمن كتابه كمّا من الصور التي تضمها مجموعته الخاصة وبعضها ينشر للمرة الأولى، إضافة إلى الهوامش التي تشرح بعض الخلفيات والمعلومات عن بعض الشخصيات التي يريد ذكرها. حاول عميمور العودة إلى أصل الخلاف، وهو يقوم ببحث نفسي عن كبت دفين تعرضت له الشعوب العربية بعد هزيمة أكتوبر التي تسبب فيها أنور السادات، وكانت حربا دبلوماسية خفية تدور بين رئيس مصري أسمر وديبلوماسي أمريكي من أصول يهودية، يضع مصلحة اسرائيل فوق مصلحة البلد الذي يوظفه اسمه كسينجر، تمكن هذا الأخير باللعب بمشاعر ''الرايس''، وجره إلى صفه في رسائل سرية تبادلها الرجلان تلتها لقاءات سرية وبالتالي قبول جميع شروط اسرائيل. في مباراة كرة القدم، انفجر الغيظ وقال الجزائريون ما كان يجب أن يقال منذ ثلاثة أو أربعة عقود في أربعة أيام، ولعل أهم ماقاله عميمور هو التذكير بتغيير النشيد الوطني المصري بطلب من اسرائيل حسب ''قنبلة هيكل'' التي صدرت عام .2006 في لقائه أول أمس بالمكتبة الوطنية، توقف عميمور عند بعض مواقفه خاصة سنة ,1973 عندما كتب في جريدة الأهرام عن ضرورة تكريم الضابط المهندس المصري، الذي أوحى بفكرة هدم التل الرملي الاسرائيلي بعدما رأى ابنه الصغير يتبول على تل رملي على شاطئ البحر، مؤكدا على عدم الاكتفاء بتكريم أصحاب الضربة الجوية، وذكّر عميمور حينها بموقف بروكسل التي صنعت تمثالا لطفل أبطل مفعول قنبلة، وأنقذ البلجيكيين لكن مقاله هذا سحب ومنع من النشر. ذكر عميمور أن الجزائر كانت وراء قطع العديد من دول العالم علاقتها باسرائيل ابتداء من كل دول افريقيا (ماعدا بوتسوانا) واسبانيا والصين والهند وغيرها، بينما اليوم مصر مهددة بمنابع حوض النيل بتخطيط اسرائيلي. الوقت الكبير من تدخل عميمور كان عن اتفاقية ''كامب دايفد'' التي وصفها بالكارثية، مشيرا إلى أن الرئيس الراحل هواري بومدين اتصل بالسادات حينها وقال له ''لو تبين لنا أن الاتفاقية ستجلب للعرب خيرا، فسأكون أنا أول من يزورك ويعتذر لك، وإذا تبين أن زيارتك للقدس لم تأت بثمارها، فعليك أن تعود إلى الصف العربي''. وعن علاقة بومدين مع عبد الناصر قال المتحدث، أنها كانت علاقة رجال دولة ووصلت إلى حد التكامل. توقف عميمور أيضا عند سنة 1975 التي كانت نقطة تحول في تاريخ العرب المعاصر، ففيها فتحت قناة السويس (5 جوان) وعقدت اتفاقية فك الاشتباك، واندلعت حرب لبنان، وقتل الراحل فيصل، واندلع فتيل حرب الصحراء الغربية، وكلها تندرج ضمن مخططات كيسنجر الهادفة إلى تحقيق الوجود الأمريكيين في المنطقة. كتاب عميمور مفيد يساعد القارئ على فهم خلفيات الهزائم العربية المتكررة، ويقطع ألسنة الخطباء الذين خانوا القضية.