لفت انتباهي وأنا أسير في أحد الأزقة المتفرعة عن شارع حسيبة بن بوعلي بوسط العاصمة مشهد كم هائل من النساء ملتفات حول طاولة عرضت عليها مختلف أنواع مستحضرات التجميل بأسعار لا تتجاوز 50 دج.. بقي ذهني مشدودا مع تلك الفتيات اللواتي انتقين مجموعة كبيرة منها وسط الكلمات الرنانة التي كان يرددها شاب عشريني ليعطي الانطباع بأنه خبير في عالم مستحضرات التجميل ... هذه الحادثة ليست غريبة عند الكثيرين، فالأمر شائع في الأسواق الموازية وبعض الشوارع التي تحولت بفعل البطالة إلى فضاءات للتجارة غير الشرعية، لكن ما يدعو للقلق هو الإقبال الهائل من قبل شرائح عدة من النسوة اللواتي يركضن وراء هوس التجميل ولو على حساب صحتهن. تساؤلات كثيرة يطرحها المشهد.. هل تبحث المرأة عن جودة المساحيق أم تبحث عن السعر المناسب فحسب؟ هل تتساءل عما إذا كانت مواد التجميل المعروضة للبيع مفيدة لبشرتها أم ضارة؟.. عن هذا الأمر كانت وقفة قصيرة في المكان للتعرف على الآراء بهذا الخصوص. اقتربت ''المساء'' من إحدى الزبونات للحديث حول مساحيق التجميل وكيفية اختيارها لهذه المنتجات، فأجابت بأن رخص ثمن المستحضرات المعروضة يشير إلى أنها ليست للعلامات التجارية المعروفة... سكتت الفتاة لتواصل عملية الانتقاء. وبعد الإلحاح عليها استكملت حديثها بطريقة توحي بأنها تود التخلص من أسئلتي البوليسية: ''لست معتادة على اقتناء مستحضرات تجميل رخيصة، هذه أول مرة تخطر ببالي فكرة تجريبها''. فتاة أخرى كانت تتفحص مستحضرات التجميل المعروضة، أجابت أيضا بأنها اكتشفت هذا البائع بالصدفة، فدفعها الفضول لاكتشاف السلع المعروضة.. وعما إذا كانت لا تخشى استعمال مواد مجهولة المصدر تصرح: ''يمكنني أن أتفحص المنتجات بعيني لأميز بين الرديئة والجيدة''. علامات الولع كانت بادية على كل النساء اللواتي اكتشفن طاولة مستحضرات التجميل الرخيصة في الزقاق المتفرع عن شارع حسيبة بن بوعلي، فلم تجد ''المساء'' جدوى من طرح السؤال على البقية، لأن الوعي غائب دون شك. أما البائع الذي كان ينادي بأعلى صوته 50 دج للقطعة الواحدة، فأخذ يجيب عن أسئلتي من دون أن أطرح عليه الأسئلة، فبمجرد أن حملت علبة كريمة واقية من الشمس حتى خاطبني قائلا: ''إنها أصلية''.. ثم أضاف: ''مازالت صالحة للاستعمال لمدة أربعة أشهر''.. ولما استفسرته ''المساء'' عن سبب الفرق الشاسع في السعر، باعتبار أنها تباع بأكثر من 1000دج في محلات مواد التجميل والصيدليات، جاء على لسانه: ''إنه موسم التخفيضات''! إلى هنا أكملت طريقي تاركة ورائي مجموعة كبيرة من النساء امتلأت أيديهن بالسلع المنتقاة، وكانت الوجهة نحو أحد باعة مواد التجميل بشارع عبان رمضان، حيث أشار إلى أنه من غير المنطقي أن تباع سلع ذات علامات تجارية مشهورة بسعر 50 دج أو أقل، فالأمر يتعلق بسلع صينية رديئة، ومن غير المعقول أن تتهافت عليها النساء دون أن يرتابهن الشك حول احتمال تعريض بشرتهن لمشاكل صحية. ويفسر بائع جملة آخر لمواد التجميل أن الأسواق حاليا تعج بمستحضرات تجميل مغشوشة أو منتهية الصلاحية، ومثل هذه المستحضرات مغرية بسبب رخص ثمنها، خاصة في ظل ضعف القدرة الشرائية وانعدام الوعي لدى الكثير من المستهلكين، منبها إلى أن هذا النوع من التجارة يعكس واقع التدليس الذي عرف تطورا كبيرا بعد الانفتاح على اقتصاد السوق. للمزيد من الاستفسارات قصدنا صيدلية بشارع عبان رمضان، فأوضح الصيدلاني أن مستحضرات التجميل التي تباع بأسعار رخيصة في الأسواق والطرقات هي غالبا سلع مقلدة أو مسروقة من المخزون.. ولا غرابة أن يحدث هذا في ظل الغياب التام للدور الرقابي. وتعليقا على الموضوع تقول صيدلانية أخرى بشارع ديدوش مراد: ''يفترض أن تكون مستحضرات التجميل مجهولة المصدر، والتي تباع بأسعار لا تمثل سوى 5 بالمائة من السعر الحقيقي، مصدرا للتساؤل.. فالأمر يتعلق عادة بمواد مغشوشة قد تؤدي إلى حدوث مشاكل جلدية خاصة وأنها تعرض تحت للشمس''-.