خسر العقيد الليبي معمر القذافي المعركة الدبلوماسية مع خصومه في المجلس الوطني الانتقالي بعد تزايد الاعترافات العلنية بالمعارضة المسلحة ضد نظامه والتي استأثرت فرنسا لنفسها السبق لحسابات استراتيجية. وتلاحقت المواقف في مختلف الدول الغربية على خلفية الاتصالات المكثفة التي شرعت فيها وفود دبلوماسية عن المجلس الانتقالي إلى مختلف عواصم هذه الدول وقد كسبوا ود العديد من مسؤوليها في ضربة موجعة للدولة الليبية التي اعتقدت أن مصالحها الاقتصادية مع هذه الدول ستجنبها أي ميل للكفة لصالح خصومها. وكانت قمة الاتحاد الأوروبي امس المنعرج الحاسم في هذه المعركة بعد أن ألح قادة الدول الأعضاء على العقيد معمر القذافي ''التنحي الفوري'' في مكسب إضافي لصالح المعارضة التي وجدت في ذلك دفعا معنويا لها بعد تراجع مقاتليها أمام زحف القوات الموالية للعقيد الليبي من اجل استعادة المدن التي فقدتها منذ بداية ثورة 17 فيفري. وإذا كانت الاتصالات المتعددة التي أجراها وفد المجلس الانتقالي في البرلمان الأوروبي وفي باريس وبروكسلولندن في انتظار لقاءات مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال جولتها إلى المنطقة العربية هذا الأسبوع فإن ذلك لم يرق لإرضاء المجلس الانتقالي الذي كان يطالب بتدخل عسكري محدود لمنع النظام الليبي من استخدام الطائرات ضد معاقلهم في رأس لانوف والزاوية والبريقة وسيرت. وهي الفكرة التي لم تستبعدها لندن وباريس اللتان بدأتا في الترويج لها بقناعة القيام بضربات عسكرية محدودة تستهدف بشكل خاص القواعد والمطارات العسكرية الليبية ومواقع إستراتيجية مثل قصر العزيزية الذي يقطنه الرئيس الليبي وأفراد عائلته رغم التحفظات التي تبديها موسكو وبكين بخصوص أي عمل عسكري ضد دولة حليفة. وبالاستماع إلى تصريحات الوزير الأول البريطاني ديفيد كامرون فإن أيام القذافي أصبحت معدودة عندما طالبه بمغادرة السلطة بعد أن أصبح نظامه لا يحظى بأية شرعية دولية وقال ''سنقوم بتعزيز الإجراءات للضغط عليه ويتعين علينا توقع كل الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك''. ورات السلطات الليبية في الاعتراف الفرنسي والاستقبالات المتواصلة للوفد الدبلوماسي الانتقالي ومقترح ضربها بمثابة ضربة قوية لشرعيتها ودفع بنجل العقيد الليبي سيف الإسلام القذافي إلى التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا والى التهديد بكشف الكثير من الأموال التي حصل عليها الرئيس ساركوزي لتمويل حملته الانتخابية. وهو رد فعل استباقي بعد أن اقتنعت طرابلس أن عواصم غربية أخرى ستسير دون شك على خطى الاعتراف الفرنسي حتى وان أعابت عليها العديد من العواصم الأوروبية لجوء ها إلى هذه الخطوة بشكل انفرادي وكان على الرئيس ساركوزي انتظار قمة أمس من اجل الإعلان عن موقف بلاده من المجلس الانتقالي. وتبدو تطورات الأوضاع ومواقف العواصمالغربية بخصوص ما يجري في ليبيا أنها تسير أيضا باتجاه فرض حظر جوي على ليبيا وفرض حصار بحري عليها ضمن خطة لخنقها اقتصاديا تضاف إلى تلك التي سبق وان اتخذتها مختلف العواصم بتجميد الأرصدة السيادية للدولة الليبية وأرصدة عائلة القذافي والمقربين من نظامه. وهو ما يفسر ردة الفعل العنيفة للسلطات الليبية التي رأت في كل هذه المواقف تدخلا مباشرا في شؤونها الداخلية وجعلت العقيد معمر القذافي يكثف هو الآخر من أحاديثه الصحفية ليجدد في كل مرة الخطر الذي سيشكله تنظيم القاعدة على الدول الأوروبية في حال سقوط نظامه ومخاطر تنامي الهجرة السرية باتجاه الدول الأوروبية. ويدرك الرئيس الليبي مدى وقع مثل هذه التهديدات على المجتمعات الأوروبية مما جعله يكرر الإشارة إليها في كل مرة بدليل أن قادة دول الاتحاد الأوروبي في قمة بروكسل أمس اشاروا علنا إلى قضية الهجرة السرية وقرروا تشكيل خلية أزمة لمتابعة تطوراتها لمنع وصول المزيد من المهاجرين السريين.