لست أدري من أين المبتدأ بعد أن أصبح الخبر كلاما غير مفيد؟ ''قراءة شعرية مع فروع الجاحظية لباش جراح'' هكذا شدتنا الدعوة إلى الشعر ورحنا نتحامل عليه كما تتحامل الفراشة على النّار، إلا أن الإحتراق كان مدويا وليس هناك من الشعر إلا اسمه الذي أصبح صفة لكل من عبث به. الشعر هو علم الميزان، وهو كلام مؤلف موزون، وهو أرفع الفنون قدرا، وأكملهم فخرا، وهو ما قال فيه نبي الرحمة ''إن من الشعر لحكمة'' فهو من العلوم الجليلة والفضائل النبيلة، كما يتضمن الشعر فن البيان من مجاز واستعارة وفن المعاني، بما فيه من فصاحة وبلاغة والبديع بمحسناته. والذي نأسف له اليوم أن البعض ممن ينتسبون إلى هذا الفن، وبالأخص أولئك الذين لم تكتمل دراستهم الثانوية والجامعية أنه مجرد هواية وممارسة كما تمارس الرياضة، لكن بدون قواعد ولا ممرن، ولو سألت مدعيه عن أوزانه وألحانه، وعن بحوره وشطآنه، وعن أخيلته وألوانه، لوجدته سجّاعا وللوصل قطاعا، وليس العلة فيمن يحاول ملامسة هذا الفن، وإنما العلة فيمن يشجعه وهو يعلم أنه على هذا الفن أبعد، لكنه يدفعه للغرور، ويصفه بالشحرور، وهكذا أصبحنا، بل أمسينا في بعض الأماسي تجمعنا من الشعر المآسي، فتتصدع الرؤوس، وتتكدر النفوس، أمسية ''شعرية'' أحيتها مجموعة من شعراء فرع الجاحظية بباش جراح أول أمس، ابتدرها الشاعر لسلوس عبد القادر الذي أكد أنه جاء ضيفا بعد أمد طويل من غيابه، وأشار أنه جالس وعايش فطاحل الشعراء والأدباء، وقد توج كلامه بإهداء باقة أشعاره إلى المرحوم الشاعر محمد الأخضر السائحي. الشاعر لسلوس كتب في القصائد الوطنية والإجتماعية، وقرأ على الحاضرين قصيدته ''لست أرضى وطنا بديلا''، ورسم من خلالها الجبال والأماكن التي احتضنت هذه الثورة بالأسماء. أما قصيدته الإجتماعية، فقد خصصها للحشيشة الملعونة ''المخدرات'' حيث قال: ''اللفافة الملعونة جعلتني ملكا، أهيم على وجهي بين جبال ... قمرت بروحي عبر العصور والأزمان .. رأينني نشوان بين الخلان .. وبائع بغير ميزان، حشيشة هي أحيانا، وأطوار هي أقراص لمن استطاع، أيتها الحمقاء سرقت مني العمر''. هذه هي القصيدة الإجتماعية التي ألقاها الشاعر لسلوس عبد القادر. أما القصيدة الأخرى، فكانت من الشعر الملحون وكان في هذا الفن أقدر، وبه أجدر إلا من بعض الكسور، يقول وهو يصنف صعوبة الحياة الراهنة فيقول: ''يا حياة اليوم وقتك راه أصعب دارت الأيام على الصالحين صارت الحكمة قديمة ما تعجب ما تملك مكان عند الناشئين هذا الوقت يا شيخ اقلي وقلب عهد النية فات مرت به السنين اليوم عصر الدينار والقفزة تجلب اليد بيد مع النسوة الزينين'' وبعد الشاعر لسلوس عبد القادر، تقدمت سندس وقرأت خواطرها: ''دقات قلبي تهذي هتافات الوجدان.. سلام الشعر للمبدعين، دعيني أتغلغل في حناياك نسافر مع الليل.. قل للمليحة في مقتبل العمر سلام أيها الدمع الذي اشتكت منه المناديل''. كما قرأت ''مجنون القبيلة''، وبعدها تقدم الشاعر صام جمال وألقى هو الأخر قصائده. وهكذا كان شعراء فرع الجاحظية بباش جراح بين الأصل والفرع، والجاحظية تستعد لتجديد مكتبها وانتخاب رئيسها الذي سيخلف الروائي الراحل الطاهر وطار، حيث سيجتمع أعضاؤها هذا الأسبوع.