تواصلت أعمال العنف والشغب لليوم الثالث على التوالي، أمس، في عدة مناطق بتونس مما فتح الباب أمام تصاعد الشكوك حول إمكانية الحفاظ على مكتسبات ثورة الياسمين التي أطاحت بالنظام السابق بهدف إرساء ديمقراطية حقة في البلاد. وقال محمد هشام المهذب المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية إن عددا من مراكز الشرطة بالعاصمة التونسية ومدينة منزل بورقيبة الصناعية الواقعة على بعد 65 كلم شمال العاصمة تعرضت لهجمات مما خلف أربع إصابات خطيرة. واستفاقت العاصمة التونسية منذ الساعات الأولى من صبيحة أمس، على وقع مواجهات عنيفة بين متظاهرين وعناصر الشرطة بعد إقدام مئات المتظاهرين المسلحين بالسيوف والزجاجات الحارقة على مهاجمة مركز للأمن بحي''الانطلاقة'' كما رشقوا قوات مكافحة الشغب بالحجارة مما دفع بها إلى طلب تعزيزات إضافية. واحتشد حوالي 400 شخص وسط حي ''الانطلاقة'' رافعين شعارات مناهضة للحكومة التونسية المؤقتة وأخرى تطالب بتنحية وزيري الداخلية والعدل ورموز النظام البائد ورفض التطبيع مع العدو الصهيوني. وفور وصول التعزيزات الأمنية نشبت مشادات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي لجأت إلى إطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين مع استخدام القنابل المسيلة للدموع بشكل مكثف. واستمرت هذه المواجهات لعدة ساعات فيما كانت طائرة مروحية تابعة للجيش تحلق في سماء الحي الذي لا تزال تسوده أجواء من التوتر. وتأتي هذه التوترات الأمنية على خلفية محاولة بعض الأطراف السياسية والحزبية إلى تنظيم اعتصامات جديدة في ساحة القصبة على مقربة من الوزارة الأولى للمحافظة على مكتسبات الثورة الشعبية. وكانت قوات الأمن قد عمدت إلى تفريق المتظاهرين خلال اليومين الماضيين، حيث رفع المشاركون في المسيرات شعارات مناوئة للحكومة المؤقتة وللهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي قبل أن تتصدى قوات الأمن لهم مستعملة القنابل المسيلة للدموع والهراوات فيما اعتقلت العشرات منهم قبل أن يتم إطلاق سراح أغلبهم. وأمام عودة التوتر مجددا إلى تونس نددت العديد من الأحزاب السياسية تونسية في قمع قوات الأمن للمتظاهرين والمعتصمين والصحافيين وفي هذا السياق عبرت ''حركة التجديد'' عن استنكارها ''لتكرار الاعتداء على الصحفيين'' وعن تضامنها الكامل معهم مؤكدة على ''ضرورة احترام حرمة المساجد والمؤسسات العمومية''. ودعت المواطنين والأطراف السياسية والاجتماعية في الحكومة وخارجها إلى العمل على ''نبذ العنف ورفض أسلوب المواجهة والتحلي بروح المسؤولية'' وتوخي نهج التشاور والتوافق لتجنيب تونس مخاطر ''الانزلاق نحو المجهول'' وإنجاح الانتقال الديمقراطي وتأمين إجراء انتخابات المجلس التأسيسي في موعدها المقرر ليوم 23 أكتوبر .2011 من جانبه أكد حزب ''حركة الفضيلة'' أن التظاهر والاعتصام السلمي من ''الحقوق المقدسة التي لا يمكن لأي جهة أن تصادرها تحت أي غطاء'' بينما دعا ''التحالف الوطني للسلم والنماء'' الحكومة التونسية المؤقتة إلى ''اتخاذ جملة من الإجراءات الفورية ومراجعة تشكيلة الحكومة والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة''. وأكد حزب الخضر على ضرورة ''الابتعاد عن التنافر الإيديولوجي والقطع مع ثقافة العروشية'' في حين شدد حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي على ضرورة ''احترام حق التظاهر ''للشعب التونسي باعتباره أحد مكاسب ثورة 14 جانفي''. وندد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بشدة بطريقة تعاطي قوات الأمن مع المظاهرات السلمية ودعا إلى ''فتح تحقيق جدي حول التجاوزات المرتكبة ومحاسبة المسؤولين عنها''. وعبرت حركة الشعب عن رفضها ''لكل المحاولات الرامية إلى المساس بمسار الثورة ومكاسبها وإجهاض مسار التحول الديمقراطي''مطالبة '' بإطلاق سراح جميع المعتقلين كما دعت المواطنين والأحزاب ومكونات المجتمع المدني إلى ''الدفاع عن الثورة الشعبية وصيانة مكاسبها''.