التقى جمهور قاعة ''الموقار'' سهرة أول أمس، بالفنان زين الدين بوشعالة، الذي أتحف الحضور بباقة من تراث العيساوة والمالوف الغني بدرر المديح. كما استمتع الجمهور بوصلات من الغناء الشعبي مع المطرب بابا عيسى رشيد الآتي من ولاية عنابة. من بين ما أتحف به زين الدين بوشعالة جمهوره ''يا ربي أنت المعين''، ''محمد بحرمتك يا محمد''، ''صلوا على زين التاج''، وكلها في طابع العيساوة، أما في المالوف فأدى رائعة ''من فراق غزالي''، ذلك أن هذه الأغنية مطلوبة منه بكثرة كلما حلّ بالعاصمة. وفي حديثه ل''المساء'' أشار الفنان بوشعالة الى أن هذه الرائعة من التراث التونسي أدتها أول مرة فرقة ''الراشدية'' التونسية ثم غناها الحاج محمد الطاهر الفرقاني وأعطاها صبغة المالوف، وهنا يبتسم بوشعالة مذكرا بالمثل القائل ''تونسي تصنع وقسنطينة تطبع''. يرى الفنان أن العيساوة والمالوف لهما شراكة فنية وأنهما قابلان للمزج، فالمالوف مثلا هو تأديب وتهذيب للتراث القديم الذي منه العيساوة، بمعنى أن المالوف ولد من رحم العيساوة. المالوف هو أيضا طابع موسيقى عربي له امتداد في الكثير من الدول وينبثق تاريخيا عن شيخ العيساوة سيدي محمد بن عيسى العيساوي المكناسي، هذا الشيخ العالم الذي درس الطب والفلاحة وعلوم الدين والتفسير والذي ترعرع في الحجاز وأقام في مصر والسودان والمغرب العربي وزاويته موجودة الى الآن بمدينة مكناس بالمغرب، كما أن حفيده مدفون عندنا بولاية المدية. ويؤكد الفنان أن بجاية وعموم بلاد القبائل، هي قلعة الزوايا في الجزائر، وبذلك فهي تكتنز تراثا علميا وفنيا عظيما. يفتخر بوشعالة بكونه ترعرع في مدرسة تابعة لزاوية بقسنطينة حيث تعلم أصول الدين والتربية الإسلامية وحفظ القرآن والحديث، ليتعلم بعدها مدائح العيساوة رفقة أقرانه من التلاميذ، علما أن هذه المدائح يؤديها حتى الآن بالمساجد (دون إيقاع) لأنها درة في المديح النبوي، يقول ''العيساوة تنتمي إلى فكر وعقيدة تؤدي إلى طريق الله الصحيح ونحن بذلك ملتزمون بها، وملتزمون بتراث الشيخ محمد بن عيسى العالم الفقيه دون أن نقدسه، فنحن نحب أولياء الله ونطلع على تاريخهم والتاريخ الإسلامي الحافل، أما الخرافات فنمقتها رغم أننا نلاحظها ونستنكرها عندما تحدث كما نرى مثلا بضريح هذا العلامة بالمغرب''. ويواصل ''اكتشفنا في الزوايا تراثا عظيما وتعلمنا فيها القرآن والأوراد قبل المديح ونحن نفخر بذلك''. تحدث بوشعالة أيضا عن برنامجه لهذا الصيف حيث نشط حفلات بتلمسان وبالجنوب الجزائري، كما تحدث عن ألبوماته ال 27 آخرها ''الوعدة'' التي لا تعني أبدا الخرافة والبدعة، هذه الأخيرة التي يرى أنها أهلكت تراثنا وجعلته محرفا. ''المساء'' التقت أيضا فرقة برشعالة وهي فرقة ''الزيّار'' تحت قيادة رياض بلام، الذي أكد أن فرقته لا ترافق إلا بوشعالة وأن غالبية أفرادها التسعة كانوا زملاءه بالزاوية الموجودة بقسنطينة، بمعنى أنهم كبروا سويا وأصبحوا إخوة. أعضاء الفرقة تعلموا العيساوة من المشايخ كذلك المالوف، علما أن العيساوة تعتمد على ايقاع البراون (مديح على الطريقة العيساوية). نشط الحفل أيضا الفنان بابا عيسى رشيد وفرقته ''الهناء'' المكونة من 5 موسيقيين أتوا كلهم من عنابة (بوزبدة عز الدين والأمين، مايو صالح، حمادي محمد رضا). البرنامج المقدم تضمن مديح ''يا صاحب الغمامة'' وانصراف ''عشقي مجدد'' وعروبي ''من يبات يراعي لحباب'' و3 خلاصات وبعض الروائح مثل ''يا قلبي خلّي الحال يسير على حالو'' وطقطوقة ''كيفاش حيلتي'' وغيرها في نوع الشعبي والحوزي، إضافة إلى أداء بعض الأغاني التي طلبها الجمهور. الفنان بابا عيسى أشار في حديثه ل''المساء''، إلى أن الشعبي رائج جدا في عنابة وهو مستقر بها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كما أكد أن أصوله بجاوية وترعرع بعنابة. ورغم تقدم سنه إلا أنه يصر على الإبداع وتقديم كل ما هو تراث جميل، كما يكوّن شبابا في هذا النوع الغنائي، علما أنه كان رئيس جمعية ''الكردية'' الأندلسية. الفنان له أجندة ثرية في رمضان الحالي، حيث سيحيي حفلات منها حفل اليوم بسكيكدة ثم قسنطينةوبجاية، كما سبق له وأن مثل الجزائر في الخارج... جمهور ليلة أمس بالموقار كان غفيرا أغلبه من العائلات والسيدات.