قال الكاتب الجزائري المقيم بفرنسا، أنور بن مالك إن الموت موتتان، الأولى هي التي تصيبنا جميعا إن آجلا أم عاجلا والثانية تمس الذين يغيبون عن ذاكرتنا، مضيفا أنه لهذا السبب جاءت روايته الأخيرة ''لن تموتي مجددا في الغد'' تخليدا لوالدته التي وافتها المنية السنة الفارطة في ظروف صعبة. وأضاف بن مالك في المحاضرة التي ألقاها، أول أمس، في إطار الطبعة السادسة عشر للصالون الدولي للكتاب حول روايته الأخيرة ''لن تموتي مجددا في الغد'' عن دار القصبة، أن كتابه هذا صرخة حزن على رحيل والدته وكذا نبرة غضب على ظروف رحيلها، مضيفا أن أمه عانت الكثير في المستشفى الذي لجأت إليه نتيجة مرضها بداء السرطان، حيث لاقت معاملة سيئة، شأنها شأن الكثير من المرضى الذين يعانون الأمريّن في المستشفيات. بالمقابل، تأسف صاحب رواية ''اختطاف''، عن قلة تعبيره لحبه لوالدته في حياتها، معتبرا أن الجزائري بطبعه خجول ولا يعبر كثيرا عن مشاعره، واعتبر بن مالك أن أكبر ندم شعر به في حياته هو قلة افصاحه بحبه لوالدته، مستطردا في قوله إن الإنسان يعتقد لاشعوريا أن والديه خالدان، إلا أنه يستيقظ في يوم من الأيام، فيجد أن والدته أو والده أو كلاهما رحل إلى الأبد فيشعر بحزن شديد ويتذكر أن الموت يصيب الجميع بما فيهم والديّه وأنه سيكون القادم في هذه السلسلة القدرية. وقال بن مالك إنه وجد نفسه بين ليلة وضحاها من غير والدته التي كان ككل إنسان يشكي لها همومه، فقرر أن يكتب كتابا عنها واعتبر هذه الفعلة خطرة وصعبة لأنه اعتاد على كتابة الروايات ونسج الحكايات فوجد نفسه يكتب عن أعز مخلوق...، والدته. وأشار المحاضر إلى أن أولياءنا عاشوا فترة زمنية قاسية في عهد الاحتلال، حيث لم يكن يعترف حتى بأحقيتهم في مواطنة كاملة ولهذا ولأجل كل تضحيات الآباء والأجداد، يجب أن تتغير الأوضاع في جزائر الاستقلال، ونعيش جميعنا حياة كريمة. وعن الجزائر، تحدث بن مالك -أيضا- فقال إنه كتب في عمله الأخير عن أمنا الكبيرة، ألا وهي الجزائر، فقال إنها بلدنا الذي يعتبر جزءا منا والذي نحبها إلى درجة العشق، وفي نفس الوقت نتألم في أحضانها وبين ذراعيها؛ بالمقابل، دعا المتحدث إلى أهمية أن يتعامل الواحد منا مع الآخرين باحترام لأن احتقار الآخرين هو قبل كل شيء احتقار للنفس. في إطار آخر، أكد أنور أن الشعب الجزائري بلغ درجة من النضج تسمح له بأن يتقبل تاريخ بلده بكل حذافيره وتفاصيله، أما عن كتابته بكل حرية فاعتبرها فرضا عليه نظرا لكل الموتى الذين دفعوا حياتهم ثمنا لها منذ أكتوبر في نهاية الثمانينات، مطالبا -في السياق- بعدم نسيان هؤلاء حتى لا يموتوا ميتة ثانية وثالثة وأكثر، واستأنف قوله إن ما حدث في الجزائر آنذاك جزء من الربيع العربي الذي مس تونس ومصر، فلولاه لما عشنا نوعا من حرية التعبير لتكون نبرة التفاؤل في مستقبل الجزائر خاتمة كلامه.