يرى الروائي المغترب أنور بن مالك، أن روايته الأخيرة ''لن تموت أبدا غدا''، الصادرة عن منشورات ''فايرد'' الفرنسية و''القصبة'' الجزائرية في نفس الوقت، أن نصه ليس محاكمة لقطاع الصحة في الجزائر، بقدر ما هو صرخة غضب، وتصريح بالألم العميق، الذي انتابه كجزائري تعرضت كرامته إلى الاعتداء، في لحظة ضعف ومرض· ويقول بن مالك إن تجربته مع والدته الراحلة، كشفت له هشاشة المواطن الجزائري، وكيف تحول إلى فرد سادي يحتقر نفسه بعد أن مورست عليه شتى أنواع الاحتقار· الكتاب يضم 192 صفحة، باللغة الفرنسية، عبارة عن بوح صريح لأفكار، وتصريح بحبه الكبير لأمه الراحلة، أفكار يؤكد صاحبها أنها غير قابلة للمسايرة ولا التغيير، حتى وإن طلب منه عرضها أمام رئيس الجمهورية أو في أي بلد يدعا إليه· ماذا يحدث عندما يكتب روائي عن قطاع الصحة؟ أنا لم أكتب عن قطاع الصحة بأكمله، وإنما كتبت عن حادثة شخصية جدا، تتعلق بمعاناة والدتي رحمها الله، بإحدى المؤسسات الاستشفائية بالجزائر، وما تكبدته من سوء معاملة وإهمال، الظروف كانت مهينة لدرجة أنني لم أتمكن من الاحتفاظ بتلك المواقف لنفسي· وككل جزائري، أعتقد أن كل واحد منا يملك قصصا رهيبة ومحزنة جدا، عن ظروف استقبال المرضى في مستشفياتنا· لهذا قلت أنني لم اهتم بقطاع الصحة ككل، وإنما انطلاقا من حادثة هي مؤشر يوضح بالتحديد ما آلت إليه ظروف معاشنا· إذا لم نحترم المواطن عندما يكون في أضعف حالاته، في مرضه، كيف تريدين أن نحترمه وهو معافى·· في نظري واقع مستشفيات الجزائر، علامة على الوضع السياسي للبلاد·· المدهش أننا بلد يحتقر مواطنيه إلى درجة غريبة، حتى أصبح المواطن بحد ذاته يحتقر نفسه، ويمارس الاحتقار على غيره من الضعفاء·· تواجدي بالمستشفى كشف لي درجة القسوة التي بلغها مجتمعنا، الذي يدّعي مرارا وتكرارا أنه متشبع بمشاعر التضامن والتعاون، كل هذا كذب، المواطن الجزائري لا يحب نفسه، ويظهر كرهه لنفسه· تريد القول أن المواطن الجزائري لم يتصالح مع نفسه، عكس ما يروج له رسميا؟ بالضبط والسلطة لها مسؤوليتها في هذه الحالة· وما قطاع الصحة إلا نموذج عن وضع عام مزري، بما فيه قطاع التربية أو غيره· أنا لا ألقي اللوم كاملا على المواطن، لكن عندما تكون ضعيفا، تصبح في مواجهة مواطن آخر·· ما يؤكد وجود أمراض خطيرة في جسد المجتمع الجزائري· عندما تعرضت لسوء المعاملة رفقة والدتك الراحلة، هل فكرت ساعتها كمواطن جزائري بسيط أم أنك كنت أنور بن مالك الكاتب المقيم بفرنسا، وبالتالي رحت تقارن بين وضعك هناك ومصيرك هنا؟ لا أبدا، لم أكن بحاجة إلى المقارنة بين الوضعين، فقد سبق لي أن عشت نفس الموقف مع والدي المرحوم، بمستشفى قسنطينة، كنت أعيش يومها هناك، كان الموقف عنيفا، وكان والدي يعاني من حروق من الدرجة الثالثة، إلا أن الطبيب آنذاك لم يعر أهمية لألم والدي، ولا لحالتنا القلقة، بل تبجح وقال لنا: إن لم يعجبك الأمر خذوا والدك· لا يتعلق الأمر بمقارنة الحال بفرنسا، فالسلوك الحضاري مطلوب حيثما تواجدنا، لا يتطلب ذلك إمكانات كبرى·· عندما كنت رفقة والدتي، أجبرت على دفع مبلغ مالي للممرضة، لتحصل أمي على إزار نقي، إنها دراما واقعية نعيشها عندما يبتلى أحدنا بالمرض أو الضعف، تدل على مرض بلد مثل الجزائر، غني بثرواته ومواطنيه فقراء· الصحة كغيرها من القطاعات هي محل إصلاحات منذ سنوات؟ أنا لا أثق في السلطة، لأن هدفها هو خلافة نفسها فقط، لكني مؤمن أن هذه السلطة لن تسلم من رياح التغيير، وستصلها عاصفتها كما وصلت من قبل إلى تونس ومصر وليبيا· الاحتجاجات الشعبية في هذه الدول سيكون لها انعكاساتها على الجزائر لا محالة· على كل حال سلطتنا آيلة للزوال بيولوجيا·· كلنا ينتظر انتهاء المرحلة الانتقالية· العسكر يتوهمون أنهم ما زالت لهم القدرة على فرض رئيس جديد، بعيدا عن إرادة الشعب· مرت جلسات مشاورات وطنية، استدعي إليها، عدد من المثقفين، من كتاب وأساتذة وسينمائيين؟ هذه نكتة، السلطة تعتقد أنها تقوم بإصلاحات من وجهة نظرها هي· بينما يريد الجزائريون تنقية الجزائر فعليا من أكاذيب السلطة··الجزائري لا يعرف ما يريد بالضبط، لكنه سيعرف ذلك بعد أن يطرح الأسئلة اللازمة على نفسه، أما إجراءات التشاور هذه فلا فائدة منها· هل كنت ستلبي الدعوة لو دعيت إلى تلك الجلسات؟ أنا لا أرفض أي دعوة لأقول قناعاتي وأفكاري، لو دعاني رئيس الجمهورية، لقلت له ما أنا بصدده الآن معكم، أنا لم أغيّر يوما آرائي، تجاوزت مرحلة الخوف من أقوالي، لقد دفع ثمن الخوف أناس كثيرون·· لن أغير أقوالي أمام أي كان، وسأكرر التفكير في أن الإصلاحات المنجزة هي احتقار للشعب، وحلقة جديدة من مسلسل ''بني وي وي''· أنا مع مشاورات موسعة في إطار ندوة حول مشروع الجزائر المستقبلي·· لهذا كلمة إصلاح لا تعني لي شيئا، بقدر ما هي في ذهن السلطة، إصرار على استمرارية الممارسات الأولى· وزير الثقافة الفرنسي، فريدريك ميتران، إبان زيارته الأخيرة لصالون الكتاب ال ,16 أعلن عن برنامج ثقافي كثيف ابتداء من نهاية أكتوبر الجاري، سيعيد البريق للعلاقات الثنائية بين البلدين، هل ستنخرط في البرنامج المنتظر هناك بفرنسا؟ لا اعلم بهذه الخطوة، وقد أعلمتني بها الآن، وإن صدقت فأنا لن أرفض أي نوع من المساهمة في هذا الإطار، خاصة عندما يتعلق الأمر بتدعيم العمل الثقافي· حاليا لم تصلني أي دعوة من هذا القبيل، لكني موجود، طالما إني أتمتع بحريتي في التفكير والقول، سواء كنت أمام جمهور فرنسي أو جزائري أو أمريكي·· لن أساير أحدا لأنه سيدعوني للمشاركة في أي مناسبة·