في أجواء احتفالية تمت المرحلة الأولى من صفقة الأسرى الفلسطينيين بسلام سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو مصر عاد خلالها 477 أسير وأسيرة فلسطينية إلى ذويهم بعد سنوات من الأسر التعسفي في نفس الوقت الذي تم فيه تسليم الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي سلمته بدورها إلى عائلته. وعاد ضمن المرحلة الأولى من هذه الصفقة ترحيل 133 أسيرا باتجاه غزة و117 إلى الضفة الغربية و15 أسيرا إلى القدسالشرقية بينما تم اشتراط إبعاد 204 أسير آخر، 164 من بينهم باتجاه قطاع غزة و40 باتجاه الخارج، حيث عبرت دول قطر وتركيا وسوريا عن استعدادها لاستقبالهم. وكان يوم أمس بمثابة عرس فلسطيني كبير في الضفة كما القطاع عندما توقفت كل مظاهر الحياة وفضل مئات الآلاف من الفلسطينيين استقبال أبطالهم الذين حرموا من نسمات الحرية واستعادوها بفضل تلك الصفقة التي تمت أطوارها بين مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين وبتسهيل مصري. ومنذ صباح أمس تمت إجراءات الاستلام والتسليم التي تم ضبطها بين الجانبين عبر الوسيط المصري حيث استقل حوالي 300 أسير ثمان حافلات عبرت المعبر الحدودي باتجاه مدينة غزة تحت حماية من سيارات كان على متنها عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس ومراقبين عن الصليب الأحمر الدولي. وقد شهدت الساحات المركزية في مدينة غزة اكبر تجمع شعبي شارك فيه أكثر من 200 ألف شخص تجمعوا منذ الصباح الباكر من اجل استقبال الأسرى المفرج عنهم كان بينهم رئيس حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية وقيادات سامية في الحركة في انتظارهم. وهو المشهد الذي تم تزامنا مع ذلك الذي عاشته الضفة الغربية حيث توجه 177 أسيرا الذين شملتهم صفقة التبادل إلى مدينة رام الله حيث كان الرئيس محمود عباس في استقبالهم. ولم تختف صور الابتهاج عن وجوه الأسرى المفرج عنهم وهم يحملون نسخ من القرآن الكريم بينما كان آخرون يرفعون أيديهم بعلامة النصر المبين الذي ''تحقق بفضل الله ثم المقاومة'' ولكن أيضا بالدموع، دموع للفرحة وأخرى للتحسر على الآلاف ممن لم تشملهم صفقة التبادل هذه وبقوا يتجرعون معاناة الأسر ومستقبل غير واضح الأفق. وفي مدينة غزة كما في رام الله أبى الأسرى المحررين بمجرد نزولهم من الحافلات التي خصصت لنقلهم إلا أن يسجدوا شكرا لله على تمكينهم من استعادة نعمة الحرية التي حرموا منها وما كانوا يعتقدون أنهم سيستعيدون حقا إليها حرمه منه كيان استيطاني وآلة عسكرية مقيتة. وكم كان المشهد مؤثرا امتزجت فيه بشائر الفرحة والابتهاج بالحزن على وجوه الأسرى وهم يستقبلون أهاليهم ومن يعرفونهم وحتى أولادهم الذين تركوهم في بطون أمهاتهم أو أولئك الذين تركوهم في سنوات عمرهم الأولى وحرمهم الاحتلال حتى من الاحتفاظ بصورة أو حتى ملامح أبائهم وذويهم. ورغم عمق المأساة وجرح المعاناة إلا أن مظاهر الفرحة كانت الغلبة على مشهد زينته ورود الترحاب بمن أصبحوا أبطالا في نظر كل الشعب الفلسطيني لأنهم رهنوا حياتهم من اجل قضية أحبوها وعشقوها حد الشهادة. ونقلت كاميرات تلفزيونات العالم التي انتظرت الحدث لنقل تلك الصورة المؤثرة لأمهات فقدن الأمل في رؤية فلذات أكبادهن ولكن توسلاتهن أتت بنتيجتها أو تلك الزوجات اللائي يئسن في ملاقاة زوج اسر في ريعان الشباب أو ابن وبنت حرمت من حنان الأب أو الأم ولم ينعم أبدا بالشعور بالأمان الذي عادة ما يجده الابن بوجود والده. وكم كان المشهد أكثر تأثيرا ومسحة الحزن غالبة على وجوه آباء وأبناء آلاف الأسرى الذين لم يشملهم قرار الإفراج دون أن يمنع ذلك من رؤية بريق أمل في نظراتهم لعل الغد يأتي بالبشرى تماما كما بشرت عائلات الألف أسير الذين أطلق سراحهم أمس وممن ينتظرون ذلك بعد شهرين من الآن. ولم يخف الأسير توفيق عبد الله البالغ من العمر 52 عاما قضى منها 26 سنة في الاعتقال ازدواجية الشعور الذي انتابه وهو يغادر جدران زنزانته التي قبع فيها أجمل سنوات عمره أن مزيجا من الفرحة والأسى تنتابه ''فرحة وأنا استعيد حريتي ولكن بمعاناة كبيرة وأنا اترك إخواني ورائي داخل زنزاناتهم''.