لا يختلف اثنان على أن الدين الإسلامي هو الشريعة الربانية الوحيدة التي أمنت للمرأة كامل حقوقها وحفظت كرامتها، غير أن السؤال الذي ينبغي أن يطرح اليوم: لماذا تعنف المرأة من طرف الرجل في مجتمع مسلم؟ هكذا رغبت الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم فتح النقاش في اللقاء الذي جمعها ب''المساء'' للحديث حول ما تشهده المحاكم اليوم من قضايا تخص العنف ضد المرأة، والآليات القانونية المتوفرة لحمايتها. تجيب المحامية بن براهم عن سؤالها قائلة: ''إذا عدنا إلى عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، نجد أن ممارسة العنف ضد المرأة لم يكن سائدا، على اعتبار أن المرأة تحترم وتقدر خاصة وأن الشريعة الإسلامية قدستها وحفظت حقوقها منذ الأزل، غير أن الاعتداءات التي باتت تطال المرأة اليوم هي عادات دخيلة على المجتمع الجزائري ومن مخلفات الاستعمار الفرنسي. وتشرح المتحدثة ذلك بالقول: ''قبل الحقبة الاستعمارية، لم تبلغنا أنباء عن حالات اعتداء على المرأة، خاصة أن الشريعة الإسلامية كانت مصدرا للتعامل بين الأشخاص، والدليل على ذلك أن المرأة عندما كانت تهان يمنح لها الحق في طلب الطلاق، لذا كانت تعرف قدرها وكان الرجل يلزم حدوده، ولكن تضيف المتحدثة هذه العادة الدخيلة على المجتمع الجزائري بالرجوع إلى القانون الأوربي قبل 1948 تاريخ ظهور ميثاق حقوق الإنسان، كانت المرأة والطفل يعتبران بمثابة ''شبه أشخاص''، ومن هنا يظهر الفرق بين الشريعة الإسلامية والقانون الأوربي، هذا الأخير الذي بدا يفكر عام 1871 في المرأة كشخص، ولكن كفرد متمتع بكامل الحقوق لم يصلها إلا بعد سنة ,1948 والدليل على ذلك أن المرأة حتى سنة 1945 لم يكن لديها الحق لا في التجارة ولا في إبداء الرأي، على خلاف المرأة في الإسلام التي كانت تتمتع بكامل حقوقها، وما السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الاّ دليل على ذلك. وبالتالي تضيف المتحدثة كل هذه العادات السلبية التي باتت تمارس ضد المرأة، هي من مخلفات المستعمر الفرنسي الذي استهدف المرأة بعد الاحتلال، وعوض أن يقوم الرجل الجزائري بحمايتها بالمفهوم الايجابي، مارس عليها السلطة وحرمها من أبسط حقوقها وضاعت معها كرامتها. وحول عدد القضايا التي تطرح على العدالة من هذا النوع، ردت الأستاذة بن براهم قائلة ''أن قضايا العنف ضد المرأة زادت في الآونة الأخيرة بشكل ملفت للانتباه، ففي وقت مضى، كنا نسمع عن بعض قضايا العنف، و المعتدي عادة هو شخص غير مثقف، إلا أن ما نتعجب له اليوم أن مثل هذه القضايا يتورط فبها أشخاص مثقفون متعلمون وجامعيون، وأصحاب مراكز مرموقة بالمجتمع. وتستطرد المتحدثة ''وقفت في العديد من الحالات عند بعض القضايا التي عرضت علي، لم أتمكن فيها من النظر إلى الضحية المعنفة لأن الاعتداء الذي لحقها بلغ حد التشويه، كأن تفقد الضحية عينها أو يتورم جانب من وجهها أو تحطم أسنانها أو أحد أضلاعها. وجاء على لسان المتحدثة أن ما نتعجب له أيضا، أن الدوافع وراء ضرب المرأة في أيامنا سواء من طرف زوجها أو أبيها أو أخيها، راجع لأسباب واهية قائمة على رفضها تقديم مالها أو سيارتها أو أجرها أو مصوغها لهذا الشخص، والنتيجة تعرضها للضرب المبرح، لذا وفي مثل هذه الحالة، ما علينا كمحامين إلا أن ننصح المرأة المعنفة باللجوء إلى طلب الخلع على اعتبار أن الزوج لا يطلقها، ولا يمكنها الحصول على التطليق إلا إذا تمكنت من إصدار حكم جزائي ضد المعتدي، ولكن في معظم الحالات تطلب الزوجة المعنفة الخلع بحثا عن راحة البال. وتستنكر الأستاذة بن براهم بشدة ما تقوم به بعض الوزارت عند الحديث عن العنف ضد المرأة، من خلال حصر مجهودها في السعي لتطبيق بعض التوصيات الدولية أو القيام بعمليات الإحصاء، حيث قالت ''لسنا في حاجة اليوم إلى الحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة، فالكل يعرفها لكننا في حاجة للبحث عن كيفية محاربة هذه الظاهرة، القانون الجزائري يملك الحل الفعال من خلال النصوص التي إن طبقت بحذافيرها، حظيت المرأة بالحماية القانونية اللازمة. غير أن ما يحدث في حقيقة الأمر بمحاكمنا، هوأن ما يطبق من أحكام على قضايا الاعتداء ضد المرأة ينحصر فقط في شقه الجزائي الذي يفرض على من ارتكب الفعل عقوبة جزائية مقرونة بغرامة، وهو ما نصت عليه المادة 264 من قانون العقوبات، إلا أن ما لا يتم تطبيقه على المعتدي، هي العقوبات التكميلية الخاصة بالحرمان من الحقوق المدنية التي نصت عليها المادة 9 مكرر من قانون العقوبات؛ كالحرمان من بعض الحقوق السياسية كأن يحرم من الحق في الانتخاب أو الحرمان من تولي بعض المناصب السياسية أو حرمانه من حضانة الأبناء..... لذا، اعتقد -تقول المحامية بن براهم- أن تفاقم ظاهرة الاعتداء على المرأة راجع إلى الاكتفاء بتطبيق الشق الجزائي وغض النظر عن الشق الخاص بالحرمان من الحقوق المدنية التي إن طبقت يحسب المعتدي ألف حساب قبل قيامه بالاعتداء، خاصة وأن المعتدين اليوم أشخاص مثقفون وأصحاب سلطة، لذا نجد أن قضايا الاعتداءات الجنسية على المرأة في الإطار المهني تقل بالمحاكم بالمقارنة مع العنف العائلي، خوفا من فقد بعض الحقوق المدنية، لذا فإن الحماية الكاملة للمرأة من أوجه العنف تكمن في التطبيق الجاد للنصوص. ومن جهة أخرى، تطرقت الأستاذة بن براهم للحديث عن درجة الوعي الكبير الذي باتت تتمتع به المرأة، ولعل هذا ما جعل مثل هذه القضايا تظهر بالمحاكم بحكم أن هذه الأخيرة أصبحت تعبر عن إرادتها في رفض الواقع الذي تعيشه، بعد أن فهمت الحيلة التي بات يلجا إليها الرجل، إذ يدفعها إلى طلب الخلع حتى لا يطلقها وتكسب بعض الحقوق، لذا تنبهت هي الأخرى عند تعرضها لاعتداء ولو طفيف لاستصدار حكم جزائي يؤكد واقعة الضرب من أجل الحصول على التطليق، وهو ما جعل قضايا التطليق والخلع يتصدران قضايا الأحوال الشخصية بالمقارنة مع قضايا الطلاق. وأخيرا تختم محدثتنا كلامها بالقول أن المجتمع الجزائري هو مجتمع ذكوري، ولطالما أعطت العادات والتقاليد للرجل المكانة على حساب المرأة، وأنصح المرأة بالتصرف بذكاء في كل الأماكن التي تجنب نفسها الاعتداءات.