تباينت مواقف نواب المجلس الشعبي الوطني خلال جلسة مناقشة مشروع قانون الأحزاب أمس بين منتقد لأحكام هذا المشروع التي رأى فيها البعض تراجعا عن قيم الديمقراطية وتقييدا لحرية الممارسة السياسية، وذلك بالنظر إلى ما اعتبروه تدخلا مفرطا لوزارة الداخلية في نشاط الأحزاب سواء في عملية التأسيس أو في فرض الرقابة على نشاطها، فيما بارك البعض الآخر الأحكام التي حملها هذا المشروع، واعتبروها إعلانا لميلاد مرحلة جديدة أكثر تنظيما وانضباطا في مسار التعددية السياسية بالجزائر. فقد التقت مداخلات النواب المنتمين لحركة مجتمع السلم وكذا المنشقين عنها والمنضوين تحت لواء حركة التغيير غير المعتمدة، في الدعوة إلى ضرورة وضع عملية اعتماد الأحزاب السياسية تحت إشراف هيئة قضائية بدلا من الهيئة الإدارية الممثلة في وزارة الداخلية والجماعات المحلية، مع تقليص مدة الرد على الطلب المحددة في المشروع ب60 يوما، واعتبر منتقدو المشروع أن هذه الإجراءات لم تحل الثغرات التي كانت موجودة في القانون الصادر في 1989 وإنما تزيد من تعقيداته وتحد من الحراك السياسي في البلاد. وقد ذهب البعض إلى ابعد من ذلك عندما وصفوا مشروع قانون الأحزاب في صيغته المعروضة للمناقشة بمثابة ''القيد لحرية النشاط السياسي''، معللين طرحهم بكونه يفرض قيودا بيروقراطية اكبر على المنتسبين إلى التشكيلات السياسية ولا سيما في مواده التي تنص على تدخل وزير الداخلية لفرض الحصة المطلوبة من النساء أو لوضع حد لنشاط شخص منتم إلى حزب سياسي في الحالات التي تنص على المنع، أو في الحالات التي تنص على منع التجمعات الشعبية في القاعات، ومنع الأحزاب غير المشاركة في المجالس المنتخبة من تنظيم التجمعات، في حين بدا بعض النواب أكثر تفهما لهذه الأحكام الجديدة التي أكدوا أنها جاءت من اجل ضمان تنظيم اكبر للنشاط السياسي في البلاد. وفي هذا الإطار ثمن النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني ونائب رئيس المجلس مسعود شيهوب، الإطار القانوني الذي جاء به مشروع النص الجديد، الذي خفف من شروط إنشاء الأحزاب، وجاء متساهلا بالمقارنة مع النظم المعتمدة في العديد من الدول في مجال إنشاء الأحزاب، واعتبر المتحدث أن هذا التساهل دليل على وجود نية صادقة لدى الدولة الجزائرية ووفاء منها لمبدأ ترقية الممارسة الديمقراطية. وفيما اعترف بوجود تدخل من وزارة الداخلية في العديد من مراحل النشاط الحزبي بموجب أحكام القانون المعروض للنقاش، أكد السيد شيهوب بأن تدخل وزير الداخلية الذي يمثل الدولة لا بد منه لتنظيم الحياة السياسية، مذكرا بأن كل الإجراءات التي تمارسها الداخلية على النشاط تتم تحت رقابة قضائية ممثلة في مجلس الدولة الذي يعتبر هيئة رقابية محايدة. كما ذكر في نفس الإطار بأن الداخلية لا يمكنها بموجب أحكام المشروع اللجوء إلى حل حزب سياسي إلا بالتوجه إلى القضاء، داعيا بالمناسبة ممثلي الأحزاب السياسية إلى التعامل مع المحيط بشكل إيجابي من خلال عرض برامجها السياسية واقتراح الأفكار البناءة عوض الاقتصار على الانتقاد والتهجمات على أحزاب أخرى. ونفس الدعوة وجهها غالبية المتدخلين من حزب جبهة التحرير الوطني، الذين انتقدوا كثيرا التهجمات التي يتعرض لها حزبهم ولا سيما من أحزاب أخرى، واستنكر النائب عن الحزب ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السيد عبد الحميد سي عفيف هذه التهجمات، مشيرا إلى أن حزبه يعتبر من ابرز الأحزاب التي ساهمت في ترقية الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية في الجزائر. كما أكد المتحدث بالمناسبة دعم جبهة التحرير لمشروع قانون الأحزاب بالنظر إلى ما يكتسيه من أهمية بالغة في مسار الإصلاحات السياسية العميقة، مشيرا إلى أن التحدي المطروح أمام التشكيلات السياسية هو تعميق الوعي والثقافة الديمقراطية، فيما اعتبر بأن دور الدولة في تنظيم الحياة السياسية مهم جدا، على اعتبار انه الضامن لتنفيذ الأحكام من جهة والسهر على فرض احترام قواعد الديمقراطية ومنع الانزلاق وانتهاك هذه القواعد من جهة أخرى. وقد اختلف بعض النواب ولا سيما منهم المنتمين إلى التجمع الوطني الديمقراطي وكتلة الأحرار وكذا حزب العمال حول مسألة ''التجوال السياسي''. ففي حين طالب البعض بوضع حد لهذه الظاهرة التي اعتبروها مساسا بمصداقية العمل السياسي، وإخلالا بالتزامات السياسيين تجاه المواطنين، اعتبر البعض الآخر بأن هذه المسألة ترتبط بحرية العمل السياسي في البلاد، وأن تدخل وزارة الداخلية لوضع حد لهذه الحرية يتعارض مع مصلحة الشعب الذي يعتبر مصدر السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن جلسة مناقشة مشروع القانون العضوي المتعلق بالأحزاب التي ترأسها السيد عبد العزيز زياري رئيس المجلس، استهلت بعرض وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد دحو ولد قابلية لأهم التفاصيل المتضمنة في المشروع، ولاسيما منها ما يتعلق بكيفية تأسيس التشكيلات السياسية. وفي هذا الإطار أكد الوزير بأن هذا المشروع يشرح بالتفصيل الكيفية العملية لتأسيس الاحزاب السياسية وفق خارطة طريق تبين جميع المراحل، بدءا من التصريح بالتأسيس إلى غاية عقد المؤتمر التأسيسي وطرق الطعن. وتكرس أحكام المشروع الجديد حسب السيد ولد قابلية احترام النظام والطابع الجمهوري للدولة وقيم السيادة والاستقلال الوطني والحفاظ على وحدة التراب الوطني وعدم المساس به، بينما تنبني أهدافه ومبادئه على احترام الحريات العامة الفردية والجماعية واحترام حق المنتسبين في الاختيار الحر واحترام ممارسة التعددية السياسية وانتخاب الهيئات القيادية والتداول على المسؤوليات ونبذ العنف. للإشارة فإن مشروع القانون العضوي المتعلق بالأحزاب الذي يتضمن 89 مادة، يمنع بموجب مادته الرابعة ''أي شخص مسؤول عن استعمال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية'' من تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيرة، ''كما يمنع من هذا الحق كل من شارك في أعمال إرهابية ويرفض الاعتراف بمسؤولياته في المشاركة في تصور وانتهاج تنفيد سياسة تدعو للعنف والتخريب ضد الأمة ومؤسسات الدولة''.