يتطرق السفير العراقي بالجزائر، السيد عدي الخير الله، في هذا الحوار الذي خص به ''المساء'' إلى واقع العلاقات الجزائرية - العراقية التي حرص على أن تبقى استراتيجية، في حين يرى ضرورة إبداء المستثمرين الجزائريين استعدادا أكبر لاستغلال فرص الشراكة الكبيرة التي تتوفر عليها السوق العراقية، والتخلي عن النظرة المغالطة لبعض وسائل الإعلام التي تضخم في تصوير الوضع في العراق بأنه غير آمن وغير مستقر، كما أكد على إعادة فتح سفارة الجزائر في العراق قبل القمة العربية المزمع عقدها في بغداد شهر مارس المقبل، وعن الوضع في المنطقة؛ جدد السيد الخير الله رفض بلاده التدخل الأجنبي في سوريا. - كيف تقيمون العلاقات الجزائرية العراقية في الظرف الراهن، وكيف تراهنون على دور الجزائر في عملية إعمار العراق؟ * العلاقات بين الجزائر والعراق يجب أن تبقى علاقات استراتيجية لأسباب كثيرة، منها أن العلاقة الموجودة بين الشعبين هي علاقة تاريخية ومتجذرة، العراق ساهم كثيرا في خروج الجزائر من مشاكل الاستعمار وهو أول من اعترف بالحكومة المؤقتة، كما أنه أول من ساهم في إرسال المدرسين للجزائر لتعليم اللغة؛ وهكذا الجزائر عانت من الاستعمار بشكل كبير والعراق عانى من الهجمات الاستعمارية أيضا، ولابد من الإشارة إلى أن الجزائر دولة تملك قرارها بيدها وفيها أناس من هم لا يبيعون أنفسهم للآخرين، أيضا موقف البلدين من القضية الرئيسية ألا وهي القضية الفلسطينية هو موقف يكاد يكون متشابها إلى جانب قضايا أخرى، مما يجعلني أتوقع أن تكون هناك علاقة قوية في المستقبل رغم أن العلاقات القائمة حاليا جيدة. أما الشق الثاني من السؤال والمتعلق بما يمكن أن تفيد الجزائر العراق، فهذا يجرنا إلى القول إن هناك الكثير من القضايا السياسية الدولية تكون مواقف الدول بشأنها متقاربة وعندما يكون هناك اتفاق معين بين هذه الدول حول قضية ما فإنها تؤثر على مجموعة من الدول المحيطة بها، وبالتالي فأي مصلحة لأية دولة من هذه الدول يمكن أن تدعم من دولة أخرى في هذه المجموعة، أما فيما يتعلق بالشق الاقتصادي فهناك من الصناعات الموجودة في الجزائر ما يمكن أن تستفيد منها العراق في الوقت الحالي، ومنذ أن وصلت إلى الجزائر بدأت أشجع الجزائريين على الاستثمار في العراق والعمل هناك وفعلا بدأت بوادر في هذا الاتجاه وإن شاء الله سيتكلل بنجاحات أخرى، كما نأمل في أن لا يكون الاستثمار في العراق سلعا بل استثمارا يساهم في تنمية العراق. - نأمل أن يتم تفعيل الاتفاقات السابقة بين البلدين قانون الاستثمار العراقي الصادر سنة 2006 يمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين الأجانب، لاسيما العرب الذين يضعهم هذا القانون في نفس مستوى المستثمرين العراقيين، فما هي القطاعات التي يمكن للمستثمرين الجزائريين أن يساهموا فيها في العراق؟ * قانون الاستثمار يضع جميع المستثمرين سواء كانوا عربا أو أجانب في نفس مستوى المستثمر العراقي، نحن نفضل في العراق أن يتوفر الوجدان الموجود عندنا لدى المستثمر العربي من باب التشجيع والحصول على تسهيلات في هذه القضية؛ فهناك حديث عن استثمارات في مجال بناء معامل الزيت والسكر، وهناك مجموعة من التجار الجزائريين الذين لديهم القابلية للاستثمار في العراق، أما على المستوى الحكومي فإننا لم نلحظ اهتمام شركة سوناطراك المعروفة بقدمها وسمعتها العالمية بالاستثمار في العراق. وفي العراق هناك اتفاقيات استراتيجية توقع مع مجموعة من الدول لتسهيل وجودها والاسثمار في العراق، ومع الجزائر كانت لدينا الكثير من الاتفاقات لكنها تبقى الآن غير مفعلة ونأمل أن تفعل في الفترة المقبلة حتى يكون للجزائر وجود في العراق لأن اقتصادنا حر وما لم تكن هناك اتفاقيات فيجب أن تنافس سوناطراك بقية الشركات الأخرى العملاقة، كما أن المنافسة في العراق غير سهلة ولذلك نجد الآن حتى هذه الشركات العملاقة أحيانا نافستها شركات من الصين وماليزيا وغيرها من الشركات التي هي أيضا قوية لكنها تكاد تكون ناشئة مقارنة بسمعة الشركات التي أبدت في البداية اهتمامها بالعراق. - كيف وجدتم استعداد الجزائر لدخول السوق العراقية؟ * لم أجد حماسا من الجانب الجزائري بشكل كبير للدخول إلى السوق العراقي ماعدا بعض المستثمرين الخواص، وبالتالي وجدت أنه من الصعوبة أن يقتنع المستثمر الجزائري بأن العراق أصبح بلدا مهما في مجال الاستثمار، وفي حال اقتناعه بذلك يعتقد أن العراق غير مستقر ويعيش الفوضى وهذه الحقيقة قد ساهم فيها الإعلام الجزائري بنقله لما يكتب في الإعلام الخارجي وبالتالي فهذه الكتابات ليست جزائرية خالصة. - هل لديكم رقم عن عدد الجزائريين في العراق؟ * لا أعتقد وجود جالية جزائرية في العراق إلا ما ندر، لكن أن يكون هناك جزائريون دخلوا بشكل غير مرخص به فقطعا لا نملك إحصائيات. - وحتى بالنسبة للذين دخلوا عام 2003 باسم الجهاد؟ * الذين دخلوا مع المليشيات لا يمكن أن نعرف أعدادهم ومن هم والشيء الذي نعرفه هو أن عددا من الجزائريين الذين يبلغ عددهم 13 يتواجدون حاليا في السجن لتهم أمنية. - بخصوص هؤلاء السجناء، هل توجد إمكانية تحويلهم إلى السجون الجزائرية في حال ما إذا تم التوقيع على اتفاقية ثنائية للتعاون القضائي والقانوني التي هي قيد التحضير؟ * الاتفاقيات تعتمد ما يكتب فيها وإذا ضمت فقرة تنص على إمكانية تحويلهم إلى السجون الجزائرية وفق اتفاق ثنائي فيمكن ذلك دون إعادة محاكمتهم طبعا لأني لا أعتقد أنه يوجد في الاتفاقيات القضائية حتى في الجزائر ما ينص على إعادة المحاكمة لأن الأحكام القضائية مفصولة، وهي التي تحكم ما يكون وما لا يجب أن يكون. - وأين وصلت اتفاقية التعاون القضائي والقانوني بين البلدين؟ * كانت هناك رغبة من البلدين قبل أزيد من سنة لإعدادها لكن وجدنا أنها لم تتحرك باتجاه تفعيلها أو توقيعها ولا أعرف ماهي الأسباب. - هل برمجت زيارات لمسؤولين عراقيين إلى الجزائر؟ * من المفروض أن يزور وزير المالية الجزائر ولكن زيارته تأجلت ولنا برنامج لدعوة وزير التعليم العالي لزيارة الجزائر، وإذا وجهت الدعوة لمسؤولين سامين لزيارة الجزائر فإنهم قطعا سيلبون الدعوة. سفارة الجزائر في بغداد سيعاد فتحها قبل القمة العربية - تحدثتم فيما سبق عن قرب إعادة فتح سفارة الجزائر بالعراق، هل يمكنكم تحديد تاريخ ذلك؟ * ليس لدي تاريخ محدد ولكن أعرف أنه سيعاد فتحها قريبا. - هل سيتم ذلك قبل أو بعد انعقاد القمة العربية التي تعتزم بغداد احتضانها شهر مارس المقبل؟ * سيتم ذلك قبل انعقاد القمة العربية لأنه حسب اعتقادي فإنه تم الحديث بشأن هذا الموضوع بين الطرفين وأؤكد أن إعادة فتح السفارة شيء مرحب به وكان من المفروض أن يتم ذلك قبل هذا التاريخ بكثير. - أقدمت الجزائر شهر جوان الماضي على إلغاء ديون العراق المستحقة لديها والبالغة أزيد من 400 مليون دولار، فهل أقدمت دول عربية أخرى على ذلك؟ * معظم دول العالم أقدمت في نادي باريس على إلغاء ديون العراق وتم الاتفاق على أن لا تقل عملية الإلغاء 80 بالمائة، وتراوحت نسبة الإلغاء من قبل هذه الدول من 80 إلى 100 بالمائة والجزائر ألغت ديون العراق بنسبة 100 بالمائة. - وبالنسبة للدول العربية؟ * لا توجد سوى الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة. - هذا السؤال يجرنا إلى الحديث عن التعويضات التي مازال يدفعها العراق للكويت جراء الغزو والتي تقدر بأزيد من 30 مليار دولار، في الوقت الذي تحضر فيه إيران لتحريك ملفها للحصول على تعويضات جراء حربها مع العراق خلال فترة النظام السابق، فكيف ستتعاملون مع هذه الوضعية؟ * النظام السابق يتحمل مسؤولية الحروب التي دخل فيها العراق، وبخصوص دفع التعويضات للكويت؛ فإن ذلك تم وفق قرار دولي، حيث تم إدراج العراق في الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة على اعتبار أنها تهدد الأمن العالمي، ورسميا لم تطالب إيران لحد الآن بتعويضات وفي حال تم ذلك، فإنه يجب أن يكون وفق قرار أممي وليس فرديا، وأنا لا أعتقد أن تكون هناك مطالبة إيرانية بدفع تعويضات ولم يسبق لي وأن سمعت بذلك، وهي بعيدة المنال. - رفضت بغداد الموقف العربي تجاه سوريا، لماذا هذا الموقف؟ * النقطة الأولى هو أن العراق لم يرفض التوجه العربي باتجاه سوريا، بل رفض بعض الأشياء التي هي في قسم من التوجه الذي كان موجودا والذي يعتبره غير صحيح وإحداها المقاطعة، إذ يعتقد العراق أنها ستضر الشعب السوري وليس النظام وعليه يعتبر أنها خطوة غير صحيحة وقد عانى العراق من هذه المقاطعة ويدرك ما معناها، والنقطة الثانية هي أن العراق لم يوافق على أي تدخل أجنبي في سوريا باعتباره شيئا معيبا، بل لابد من حل عربي، أما النقطة الثالثة فتتمحور في إعطاء فرصة لأن يكون هناك تفاهم لحل الموضوع داخليا بين المعارضة والنظام ويجب أن تستنفذ كل الأشياء لإيجاد حلول داخلية قبل الحلول الخارجية. - لماذا برأيكم يؤكد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي على عقد القمة العربية في بغداد شهر مارس المقبل، هل ظروف عدم عقدها العام الماضي انزاحت ونحن نرى تبعات الحراك العربي مازالت قائمة على الأقل عند جارتكم في سوريا؟ * في الحراك العربي؛ كانت هناك إرادات لأن لا تعقد القمة في العراق في وقتها رغم استعداده لاحتضانها، وحدث التأجيل إلى هذه السنة، حيث أن الأمور أفضل في العراق من السنة السابقة وستكون أفضل بكثير في السنوات المقبلة، لكن لم يكن هناك أي مبرر لتأجيلها من قبل الجامعة، وبالتالي أدلى نبيل العربي بهذا التصريح الذي يجب أن يصرح به، والتصريح خلاف ذلك هو التصريح الذي يسأل عليه وليس السؤال أنه لماذا تقام في وقتها، بل السؤال هو إذا كان لماذا لا تقام في وقتها.