منذ تتويج مدينة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية ,2011 تبوأت عاصمة الزيانيين أهمية بالغة من قبل الوصاية، لتكون بحق عاصمة للثقافة الإسلامية تعكس تمسك الجزائريين بدينهم الحنيف، وتفتحهم على مختلف الثقافات العالمية التي عانقت الحضارة الإسلامية، وسعت أيما سعي من أجل تسطير برنامج متنوع وثري، ليشمل مختلف الفنون والثقافات، وبهدف إنجاح الحدث، تعززت الولاية بالعديد من الصروح الثقافية الهامة، وكسبت مواعيد ثقافية وطنية ودولية، أصبح لها سكان المدينة العريقة مفخرة، وفي هذا الاستطلاع، رصدت ''المساء'' انطباعات بعض المواطنين من أهل تلمسان الذين عاشوا شتى الفعاليات خلال السنة، كما اقتربت من بعض الفاعلين في التظاهرة، وكانت لهم أراء متعددة، لكنها اتفقت على أن الحدث نقش ذكريات جميلة في أذهان التلمسانيين وجعلتهم يشعرون بالفخر كلما استحضروها، ويعتزون من جديد بالحاضرة تلمسان. بالنظر إلى الزخم الكبير من المنشآت التي استفادت منها تلمسان في المجال الثقافي، والتي أثرت على البعد الاقتصادي والسياحي للمدينة بالإيجاب، فإن التحدي الكبير ينتظر المسؤولين على القطاع بالولاية فور نهاية التظاهرة، ويرى مدير الثقافة لولاية تلمسان، السيد حكيم ميلود، أن الحدث أعطى إضافة للولاية من خلال الهياكل الثقافية التي تعززت بها، والتي من شأنها تفعيل النشاط الثقافي وفتح صفحة جديدة للعمل الثقافي، مع تدارك النقص، وتابع يقول؛ ''نحاول العمل على استمرارية النشاطات النوعية والبقاء في هذه الحيوية، رغم أن ميزانيتها لن تكون بالشكل الذي كانت عليه خلال التظاهرة، إلا أنه سيتم الاشتغال بما رصد لها من غلاف مالي''. وقال مدير الثقافة لولاية تلمسان؛ إن المناسبة سمحت للجمهور بالاطلاع على النشاطات الثقافية، وكسبت العديد من الإيجابيات في مختلف المجالات، وعلى أكثر من صعيد.
اكتساب سلوكات ثقافية جديدة ويعتقد السيد عبد المومن بن حوى، الذي نشط عددا من الفعاليات الثقافية بالتظاهرة، أن أهل تلمسان قد اكتسبوا سلوكا جديدا في متابعة الأيام الثقافية، ومن المهم جدا أن تسعى السلطات المحلية إلى المواصلة في تنظيم تظاهرات مماثلة بعد نهاية الحدث، وقال؛ إن التظاهرة خلقت فضاءات للثقافة، الترفيه وتهذيب الشباب، وزادت لتلمسان شهرة فوق شهرتها، وتابع يقول؛ إن التظاهرة فتحت مناصب شغل عديدة، بالنظر إلى العدد الهائل من المنشآت الثقافية التي أنجزت بالمناسبة. وبالنسبة للجمهور التلمسانيوالجزائري على وجه العموم، فقد مكنته التظاهرة من التعرف على مختلف الثقافات العالمية التي عانقتها الثقافة الإسلامية وانصهرت فيها، وعاشوا أياما يتمنون دوامها، ويرى المتحدث أنه بعد أن يسدل الستار على التظاهرة، ستكون الإنطلاقة من جديد في الفعل الثقافي بالولاية، خاصة أمام الإمكانيات التي كسبتها، وأضاف؛ إن القاعدة موجودة لمواصلة هذه النشاطات الثقافية، حتى يتسنى لتلمسان أن تبقى عاصمة للثقافة الإسلامية، وحتى يكون ذلك، أكد أنه يتوجب على السلطات المحلية مواصلة العمل، لأن الجمهور دأب على مشاهدة وحضور مختلف العروض، وبالأهمية بما كان كسب جمهور نخبة. وأفضى السيد أمين بودفلة، نائب رئيس دائرة المعارض بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ,2011 أن المناسبة استطاعت أن تكرس للعديد من السلوكيات الثقافية الحضارية، وأصبح للتلمسانيين عادة السؤال عن البرامج والمواعيد الثقافية، وأصبحوا يترددون على دار الثقافة وقصر الثقافة للسؤال؛ هل من برنامج اليوم؟ وهو الأمر الذي استحسنه المتحدث، واسترسل في حديثه، ليشير إلى أن التظاهرة استطاعت أن تُكسب الجمهور التلمساني ثقافة المتاحف، حيث استقطبتهم مختلف المعارض بقوة، وأضحى هذا السلوك جزءا من قضاء حاجياتهم الثقافية في استهلاك العقل والروح. والأمر لا يختلف كثيرا عند المصور الفوتوغرافي مولاي بلحول، إذ أسر ل''المساء'' أنه سعيد بهذه التظاهرة، لأنها فتحت له أبواب الرزق، ذلك أنه يعمل حاليا في مجلة ''الجوهرة'' كمصور، وقد حاز على فرصة المشاركة في تنظيم معرض ''مسلمون في فيينا''، حيث تمكن من زيارة النمسا لمدة أسبوع كامل، عمل فيها على التحضير لمعرضه الذي تقاسمه مع مصور نمساوي، واسترسل في حديثه المقتضب، أن ولاية تلمسان كلها قد عرفت انتعاشا اقتصاديا بهذه المناسبة، كونها سمحت بفتح العديد من مناصب الشغل.
تظاهرة بأبعاد كثيرة أعادت الجزائر للواجهة ولأن الإعلاميين كان لهم دور حيوي في نجاح التظاهرة، اقتربت ''المساء'' إلى البعض منهم للإجابة عما قدمته التظاهرة خلال سنة كاملة، فيعتقد الزميل الصحفي محمد أوراري، من جريدة ''المسار العربي'' أن تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية ,2011 تعتبر حدثا يحوي أبعادا كثيرة، أثرت على صورة الجزائر وأعادتها إلى واجهة الثقافة عربيا، إسلاميا وعالميا، حيث مكنت الأسابيع الثقافية لمختلف البلدان الإسلامية والغربية التي احتضنتها عاصمة الزيانيين، الوفود الأجنبية المشاركة والوفود المرافقة لها من صحفيين وضيوف، من التعرف على الصورة الحقيقية للجزائر وتلمسان المضيافة خاصة، وغيّرت وجهات النظر السلبية التي كان يحملها العديد من الوافدين الذين أقروا باكتشافهم بلدا ساحرا مشبعا بالثقافة الإسلامية، فاتحا ذراعيه على مختلف الديانات والثقافات، والأكيد أن هؤلاء حملوا هذه الصورة الإيجابية إلى أوطانهم، كما كانت التظاهرة فرصة للتلمسانيين، كي يحتكوا بأناس من مختلف ربوع الوطن، انتقلوا إلى مدينة تلمسان إما زوارا أو في إطار عمل، وسمح الحدث بعرض الحضارة وموروثهم الضارب جذوره في التاريخ، وحتى اقتصاديا، انتعشت تلمسان وعرفت حركية نشطة في هذا المجال، وخلقت مناصب عمل جديدة، وأضاف المتحدث أن المدينة تركت انطباعا إيجابيا إلى حد بعيد، وأكدت أنها مدينة سياحية بامتياز، الأمر الذي سيترك أثره، حيث أكد عديد الزائرين من الوطن وخارجه، أنهم سُحروا بالطبيعة ومرافق الولاية. وكشفت التظاهرة عن قدرة تنظيمية مطمئنة، بعد النجاح في احتضان هذا الحدث الضخم على أحسن صورة، رغم بعض النقائص الشاذة التي يرجى تجاوزها مستقبلا في المناسبات والتظاهرات اللاحقة. وترى الزميلة من جريد ''المشوار السياسي''، الصحفية جازية عبشي، أن التظاهرة كانت فرصة لامتزاج الثقافات والحضارات، لاكتشاف الحضارة الإسلامية والاطلاع عليها، كونها تتميز بالتنوع والاختلاف في العادات والتقاليد من بلد لآخر. من جهة أخرى، ساهمت هذه التظاهرة لكل من استسقى من منابعها مختلفة الألوان والمنبثقة من اختلاف، كيفية تجسيد الإيمان بالإله الواحد من بلد إسلامي عربي إلى بلد إسلامي غير عربي، إلى اكتشاف الإسلام الحقيقي، خصوصا مع حضور ومشاركة مسلمين من كافة ربوع العالم، وكذا تصحيح الرؤية السلبية التي كانت سائدة عنه من قبل، وإبراز أنه دين تسامح وتآخي، كما مكنت هذه التظاهرة من التعريف بالثقافة الإسلامية الجزائرية التي جسدتها عاصمة الزيانيين، من خلال معالمها التاريخية وعمرانها الزاخر، لتكون فرصة للتلمسانيين كي يحتكوا بأناس من مختلف ربوع الوطن ومختلف دول العالم، ليكتشفوا شساعة الثقافة الإسلامية التي تراوحت بين التعريف بشخصيات أدبية لطالما قدمت للأدب الجزائري وعرفت به دوليا، على غرار كتابات محمد ديب، وكذا محاضرات علمية ساهمت في التعريف بالصوفية لشيوخ عاصمة الزيانيين، على غرار الشيخ بن يلس التلمساني وسيدي بومدين الغوث، المشهورين بريادتهما في التصوف. وتابعت المتحدثة تقول؛ إن الحدث سمح بانتعاش اقتصادي محسوس لولاية تلمسان، وعرفت حركية لم تشهدها من قبل، بسبب توافد وإقبال الزوار إليها خلال هذه السنة. أما الزميل يوسف طافر، صحفي بالتلفزيون الجزائري، فيرى أن التظاهرة أعادت الروح لتلمسان وألقها الحضاري، واستطاعت أن تحافظ على الموروث الثقافي المادي وغير المادي الجزائري الأصيل، كما أعادت لتلمسان وجهها العربي الأندلسي والبربري، وقدمت للجزائر خدمة كبيرة، لهويتها وتنوعها الثقافي، مشيرا إلى أن المواطن التلمساني خاصة، استفاد من الهياكل الثقافية؛ من مسارح، مدارس للفنون الجميلة، قاعات محاضرات وغيرها. من جانب آخر، يضيف المتحدث، استطاعت تلمسان تغيير فكرة العديد من الضيوف العرب والمسلمين حول انتماء الجزائر الحضاري وهويته الأصيلة. وثمنت الزميلة حياة سرتاح، من جريدة ''الفجر'' المشاريع الثقافية ووصفتها بالمهمة، كما نوهت بالحركية التي صنعتها التظاهرة خلال عام كامل لم تشهدها المنطقة من قبل بهذا الزخم، إلا أنها تتساءل؛ ''ماذا بعد كل هذا''؟، مشيرة إلى الرهان المرفوع من قبل الفاعلين في القطاع على مستوى الولاية، إذ ستصبح كل المشاريع المنجزة خسارة للدولة، إن لم تدب فيها استمرارية الحياة الثقافية. وربطت نجاح الرهان بتخويل هذه المهمة لكفاءات تضطلع بالعمل الثقافي الجيد الذي يرسخ الإرث المحلي للمنطقة، يبرز الطاقات الشبابية، ويشجعها لتقديم أحسن مستوى يعكس واقع المجتمع، وأضافت الزميلة أن الصناعة المحلية كانت المستفيد الأول من التظاهرة، بالإضافة إلى المبدعين التلمسانيين الذين نشطوا عدة عروض فنية من شأنها أن تكسبهم خبرة، وأعابت على منظمي التظاهرة حصر تعاونهم مع بعض المؤسسات دون غيرها.
الدعوة للاستمرارية والحفاظ على المكتسبات
أما الزميلة كافية آيت علواش من جريدة ''المجاهد''، فقد وافقت على طرح بقية الزملاء، بأن الولاية قد تعززت بمنشآت ثقافية، لكنها بقدر ما هي الآن مدعمة بهذه الهياكل، وجب مرافقتهما بتواصل الحركة الثقافية بها، وهو دور منوط بداية بمديرية الثقافة وصولا إلى الجمعيات الثقافية، مرورا بالبلديات والجامعات، حتى الأفراد، من أجل خلق المواعيد الثقافية لفائدة التلمسانيين. وفوق هذه المكاسب، أشارت المتحدثة إلى أن تلمسان عاشت تظاهرة كبرى احتكت خلالها بمختلف الثقافات العالمية، وأصبحت معروفة عبر الأسابيع الثقافية الدولية، وأردفت أن تلمسان معروفة بتاريخها، وكانت قطب اهتمام في عصر سابق، لكن في الوقت الحالي، تغيرت الأمور، ولابد من أن يعزّز المكسب التاريخي بالمحافظة على هذه المكانة وتطويرها، وقد شكلت التظاهرة فتحا جديدا لها. أما بالنسبة للتلمسانيين، تضيف الزميلة، فإن الفعاليات الثقافية التي مرت عليهم، سمحت لهم بالاطلاع على مختلف الثقافات والتمتع بمختلف الفنون التي توافدت عليه، كما نسجت ذكريات جميلة في أذهانهم، خاصة مع مرور عدد كبير من النجوم، الفنانين والمبدعين. وأكدت الزميلة كافية آيت علواش، أن الجزائر بهذه التظاهرة، غيرت نظرة العالم إليها، وأنها متفتحة على مختلف الثقافات دون عقدة، وتقول على لسان بعض السفراء ممن اِلتقتهم خلال تغطية الفعالية؛ إنهم كانوا مذهولين ومعجبين بالحركية والأنشطة التي عاشتهما عاصمة الزيانيين، وأقروا أنها أحسن من تظاهرات رأوها في دول أخرى، وهناك من عبّر عن اعتزازه بالمشاركة، بحيث شكلت لهم إضافة إلى خبرتهم، وأضحت الجزائر بالنسبة لهم المثال والنموذج الناجح. بعض التلمسانيين الذين التقتهم ''المساء''، تحدثوا عن الفخر الذي يشعرون به، كونهم ينتمون إلى الحاضرة تلمسان، وقد ازداد فخرهم لما لاقت هذه التظاهرة من رواج منقطع النظير على الصعيدين الإقليمي والإسلامي، وهو ما لمسناه عند عمي صالح، تاجر وصاحب محل لبيع الأدوات التقليدية، التقيناه في إحدى السهرات الخاصة بالمهرجان المغاربي للأغنية الأندلسية بقصر الثقافة إمامة، حيث قال؛ إن التلمسانيين استحسنوا التظاهرة، وخلقت في يومياتهم سلوكات حضارية، يقول عمي صالح؛ ''بالنسبة لي، هذه الفعاليات التي تنظم بتلمسان، فرصة للتعرف على مختلف الثقافات، واكتشاف لعوالم من الإبداع، قد أكون اليوم حاضرا مع أصدقائي، لكني لا ألبث حتى آتي أنا والعائلة، لنمضي أوقاتا من الفرجة الممتعة''. والأمر سيان بالنسبة لخالتي سليمة التي لم تغب عن أي فعالية من فعاليات التظاهرة، وكانت دائما حاضرة بألقها ودعاباتها مع الضيوف الذين أتوا من كل دول العالم، وقد ذاع صيتها أكثر، لما كانت تشتريه من هدايا بمالها الخاص، وتهديه عن طيب خاطر لهؤلاء الضيوف، لتعكس بذلك حفاوة التلمسانيين في استقبالهم. أما بالنسبة لشباب المنطقة، إذ التقت ''المساء'' بعضا منهم، ورغم أنهم بطالون، فقد أعرب كل من محمد، مولاي ونسيم عن فخرهم بالتظاهرة التي نمقت ولايتهم ورفعت من شأنها بين الدول الإسلامية، وتمنوا لو أن السلطات المحلية تتذكرهم في مناصب عمل دائمة، ليواصلوا حياتهم في كنف الكرامة.