شهد العرض العام لآخر إنتاج للمسرح الجهوي عبد القادر علولة، بوهران مساء أوّل أمس، حضور عدد كبير من محبي المسرح للاستمتاع بأحداث مسرحية ''الحصلة''، التي كتب نصها بن عمارة ماحي وأخرجها مجاهري الحبيب بمساعدة بوشارب كلثوم فوزية. المسرحية التي جسّد شخوصها كوكبة من الممثلين المتمرّسين على الخشبة، على غرار الممثل القدير محمد حيمور، بلاحة بن زيان، مختار بن يحلو، لوز الهواري وملوك الهواري وممثلين شباب تمّ إقحامهم في هذا العمل على غرار العوني أحمد، جمال شتوكي، يامينة بلحوسين، زاوش بحرية وبديعة عبد الخالق، تتطرّق إلى مسألة خوصصة المؤسسات التي رهنت مصير العمال فيلجؤون إلى الدخول في إضراب مفتوح بإيعاز من أمين الفرع النقابي للحيلولة دون تجسيد مشروع المدير، الذي يقرّر بيع المؤسسة دون الاكتراث بمصير العمال المهددّين بضياع مناصب عملهم ومصدر قوت يومهم، في غمرة هذا الصراع المحموم ولعبة شدّ الحبل بين الإدارة وأمين الفرع النقابي، يجد المدير نفسه محصورا داخل مرحاض إدارته، ولكن في الواقع هذه الورطة ما هي إلاّ لعبة يدبّرها المدير ليقف على حقيقة ما يحاك ضدّه بمساعدة البوّاب الذي ينصاع للأوامر... يلجأ الأمين العام للفرع النقابي إلى الصحافة من أجل كشف تلاعبات ونوايا المدير، ويتّضح أنّ المدير خرج من دورة المياه ودخل البواب بديلا عنه، وهنا تثور ثائرة النقابي فيتّصل المدير بمستشفى الأمراض العقلية، ويلصق تهمة الجنون بالنقابي الذي يتمّ أخذه إلى المصحة العقلية، ويعتقد المدير الذي يتأهّب لمقابلة وفد أجنبي، أنّه حقّق صفقة العمر، وقبل أن يغادر مكتبه يعاود الدخول إلى المرحاض فيقع ضحية شرّ أعماله بعد أن يجد نفسه هذه المرة حبيسا هناك في آخر مشهد للمسرحية. رسائل عديدة حملها هذا العمل الذي كان مطعّما بمشاهد ممتعة من الطرافة تجاوب معها الجمهور بشكل واسع، كما تفاعل معها كذلك طيلة مدة العرض، ومنه إلى الواقع الذي لامسه هذا العمل وهو بيع المؤسّسات أو ما اصطلح على تسميته ''خوصصة المؤسسات العمومية'' وحلّ الشركات الوطنية، ورمزت مشاهد العمل والعنوان إلى أنّ هذه الخوصصة هي فعلا ''حصلة'' ومأزق جنت تبعاته أجيال من العمال. بالرغم من أنّ المسرحية حادت نوعا ما عن القضية الجوهرية، ولم يتم التركيز بشكل كاف على موضوع الصراع بين العمال والمدير، حيث لم يسلّط الضوء على مصير العمال بعد أن تمّ التخلّص من الأمين العام للفرع النقابي واتّهامه بالجنون، إلاّ أنّ هذا العمل المسرحي ركّز على حقيقة ما بعد قرار بيع المؤسسات وتسريح العمال، وذلك الصراع الذي جعل المواجهة تحتدم بينهم وبين المسؤولين الذين سعى البعض منهم إلى عقد صفقات خيالية وراء ذلك القرار. المسرحية قراءة جدية وتحمل الكثير من الإسقاطات، ف''الحصلة'' أو المأزق الذي تمّ الرمز إليه بالمؤسسة تمثّل الوطن والمدير يرمز إلى أصحاب المال والنفوذ وقدرتهم على بسط سلطتهم وإملاء رغباتهم وفرضها على العمّال، فيما رمز البوّاب إلى الخادم المطيع الذليل الذي ينصاع لأوامر المدير خوفا وحرصا على لقمة عيش أطفاله.. إنّها الصورة المنقولة من المجتمع والتي ترمز إلى العلاقة المقتضبة بين السيد والمسؤول... كما يدعو إلى التساؤل والتفكير إلى أيّ مدى كان قرار بيع المؤسّسات صائبا وفي صالح العمال والبلد؟