بدأت بوادر فتنة طائفية تتفاعل على صفيح ساخن في لبنان على خلفية المواجهات الطائفية التي توسعت رقعتها إلى ضواحي العاصمة بيروت بين مؤيدين للنظام السوري ومعارضين له بعد أن كانت مقتصرة على مدينة طرابلس كبرى مدن شمال البلاد. وشكلت هذه التطورات الدامية في نظر الكثير من المتتبعين تسويقا للأزمة السورية إلى داخل العمق اللبناني بمخاطر إضافية قد تهوي بلبنان في دوامة حرب أهلية بعد أن بلغت شرارتها العاصمة بيروت التي تقطنها فسيفساء من الفعاليات السياسية والطائفية. وكان لمقتل الإمام احمد عبد الواحد احد أقطاب المذهب السني المعروف عنه تأييده للثورة السورية ورفيقه الشيخ محمد حسين مرعبي برصاص قوات الجيش اللبناني، أول أمس، بمنطقة عكار بشمال البلاد، الشرارة التي أججت الوضع المتوتر في بلد لم تلتئم جروحه بعد من حرب طائفية مدمرة. وخلفت المواجهات التي اندلعت أمس بالعاصمة بيروت مقتل شخصين وإصابة 18 آخرين لتعزز هذه المخاوف. ولم تفوت المعارضة السورية الأحداث في الجارة لبنان لتوجه أصابع الاتهام إلى النظام السوري بافتعال الفوضى هناك لتحويل الأنظار عما يجري في داخل سوريا منذ أكثر من 14 شهرا. في نفس اتجاه الاتهام الذي وجهه تيار المستقبل لمن وصفهم ب''مرتزقة'' يعملون لصالح النظام السوري وحلفائه بالوقوف وراء الاضطرابات التي شهدتها العاصمة بيروت. وكان عشرة أشخاص لقوا مصرعهم إثر الاشتباكات الطائفية التي شهدتها مدينة طرابلس كبرى مدن شمال لبنان خلال الأسبوع الماضي بسبب تضارب مواقف السكان بخصوص الأزمة السورية والتي بلغت حد المواجهات الدامية. وتأتي مواجهات العاصمة بيروت غداة الدعوة التي أطلقها رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي باتجاه أهالي الشمال وخاصة منطقة عكار إلى تغليب المصلحة الوطنية وعدم السماح للفتنة بزعزعة استقرار البلاد. كما دعا إلى ''التعاطي مع القوى الأمنية بأخوة وإلى فتح كافة الطرقات''. وتوالت التحذيرات من مخاوف انزلاق الوضع في لبنان باتجاه حرب طائفية شبيهة بتلك التي عصفت بلبنان ثمانينيات القرن الماضي وانتهت بعد جهود مضنية باتفاق الطائف الموقع بين الفرقاء اللبنانيين عام 1988 . وهي مخاوف نقلتها معظم الصحف اللبنانية الصادرة أمس حيث كتبت صحيفة ''لو جور'' الناطقة بالفرنسية ان ''لبنان يجر بالقوة إلى دوامة العنف السورية''، وحذرت من ''بدء اضطراب لبنان على خلفية الازمة السورية''. من جانبها عنونت صحيفة ''دايلي ستار'' الناطقة بالانجليزية مقالها ''لبنان يغلي بعد مقتل احد الشيوخ''. وهو ما جعل الرئيس اللبناني ميشال سليمان يؤكد على أهمية حماية السلم الأهلي وصونه من منطلق أن ''استقرار لبنان ومصالح المواطنين فوق كل اعتبار''. من جانبه دعا وزير الداخلية اللبناني مروان شربل جميع اللبنانيين إلى التعقل في الظروف الإقليمية الصعبة التي يمر بها لبنان لافتا إلى أن ''القرارات التي اتخذت تقضي بتدخل القوى الأمنية من أجل ضبط الوضع بشكل حازم''. وحذر علماء مسلمون لبنانيون في منطقة عكار في شمال لبنان من مغبة تسييس قضية اغتيال إمام مسجد بلدة البيرة الشيخ احمد عبد الواحد ورفيقه وطالبوا بتحويل القضية أمام القضاء كونها تحمل طابع الفتنة. ودعا بيان صادر عن هؤلاء العلماء القضاء المختص إلى الإسراع في التحقيق في مقتل الشيخ ''وإنزال اشد العقوبات بالمجرمين والنظر في الخلفيات والدوافع في مثل هذا العمل المشين''. ودفع الوضع المتوتر في لبنان إلى عديد السياح إلى مغادرة البلاد في وقت طالبت فيه دولا خليجية رعاياها بعدم التوجه إلى هذا البلد مع بدء موسم الاصطياف في خطوة قد تضر بالاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على عائدات القطاع السياحي.