تحول مصير مدينة حلب القلب النابض للاقتصاد السوري ورمز الرفاه والعائلات الأرستقراطية السورية الداعمة للنظام الحاكم إلى نقطة محورية في المعادلة الأمنية السورية بين نظام متشبث بها ومعارضة مسلحة راغبة في الاستيلاء عليها وكسب ود سكانها من العائلات الراقية. وهو ما يفسر انتقال عدوى المواجهات إليها مباشرة بعد معارك العاصمة دمشق التي تمكنت القوات النظامية من التحكم في صيرورتها نظرا للتعزيزات الأمنية التي سخرتها للدفاع عن العاصمة التي تبقى رمز قوة النظام وتأكيد تحكمه في الوضع العام في البلاد. وإذا كانت المعارضة السورية، من خلال توسيع رقعة المواجهة المفتوحة مع النظام السوري إلى مدينة حلب إلى أقصى شمال البلاد، قد أرادت أن تؤكد قوتها المتنامية في السجال العسكري بينها وبين القوات السورية، فإنها في الواقع فعلت ذلك من منطلق الموقع الاستراتيجي للمدينة، خاصة قربها من الحدود التركية، وتراهن المعارضة وبدعم من الدول الغربية وأنقرة على جعل حلب منطقة محررة ونقطة ارتكاز محورية لانطلاق العمليات العسكرية ضد القوات النظامية في مختلف مناطق البلاد الأخرى، وكذا تنظيم هيئات المعارضة السياسية منها والعسكرية تماما مثلما حدث العام الماضي في مدينة بنغازي الليبية التي تحولت إلى عاصمة للمعارضة الليبية أشهرا قبل الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وهو ما يفسر ضراوة المعارك التي شهدتها المدينة بعد أن استخدمت فيها القوات السورية الطائرات الحربية والمروحيات المقنبلة لدحر عناصر المقاومة في حي صلاح الدين الذي اتخذته معقلا لها في مقارعة تعزيزات القوات النظامية. واستخدم خلالها الجيش السوري الحر أسلحة أكثر تطورا أكدت أن المعارضة تتلقى أسلحة من الخارج وجعلت الموفد الأممي كوفي عنان يرجع أسباب فشل مهمته في سوريا إلى عسكرة الأزمة السورية بينما كان هو يبحث عن حل سياسي لأزمة أمنية. ورغم ضراوة المعارك الدائرة منذ أسبوع فإن الجيش السوري أكد أن معركة حلب لم تنطلق بعد وأن عمليات القصف ما هي في الواقع سوى تمهيد لأم المعارك. وقال مصدر عسكري سوري في المدينة إن التعزيزات الأمنية مازالت تتدفق لتضاف إلى حوالي 20 ألف عسكري معترفا بأن المعارضة ترسل هي الأخرى تعزيزات عنها حتى لا تخسر معركة هذه المدينة التي تعلق عليها آمالا كبيرة من أجل توحيد أجنحتها العسكرية والسياسية وتكون مخاطبا مؤهلا مع القوى الغربية والإقليمية الداعمة لها. وهو الإصرار الذي يفسر محاولة عناصر الجيش السوري الحر الاستيلاء على مقر التلفزيون الرسمي في المدينة على الأقل لتحقيق مكسب معنوي في معركة هي في بدايتها ولم تكشف كل خباياها نظرا لعدم تكافؤ ميزان القوة بين المتحاربين فيها. ودخلت قيادات الجيش الحر في حرب إعلامية ونفسية حاولت من خلالها القول إنها صامدة وأنها استولت على أجزاء واسعة من المدينة مقابل اندحار وتقهقر القوات النظامية ضمن معركة حرب نفسية غذاؤها الترويج لخسائر الطرف الآخر والوعيد الذي ينتظره. واشتد وطيس معركتي دمشق وحلب في وقت انتقل فيه الجنرال مناف طلاس المنشق مؤخرا عن الجيش النظامي إلى تركيا ضمن زيارة مفاجئة التقى خلالها بعدد من المسؤولين الأتراك في محاولة لوضع خارطة طريق سياسية لإنهاء الأزمة السورية. وكانت الفكرة التي طرحها مناف طلاس أحد أقرب المقربين من الرئيس بشار الأسد ورجل ثقته قبل الانقلاب عليه تتضمن الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية من مختلف أجنحة المعارضة وأطيافها بإشراك النزهاء في النظام السوري دون إشراك الرئيس الأسد فيها. وهي الفكرة نفسها تقريبا التي طرحها كوفي عنان الذي اضطر إلى تقديم استقالته في مهمة المساعي الحميدة التي قام بها بعد أن اقتنع بأن دولا كبرى لم تساعده في تجسيد خطته، بل إنها عمدت إلى إفشالها بشتى الوسائل، خاصة من خلال تسليح عناصر الجيش السوري الحر الذي استقوى في الأسابيع الأخيرة وراح يوسع من دائرة المواجهة في حربه المفتوحة مع القوات السورية بعد أن كان يطالب بتدخل عسكري غربي لتسريع الإطاحة بنظام الرئيس الأسد. وهو الخيار الذي اعتمدته بعض العواصمالغربية بقناعة أنها لن تتمكن من فتح جبهة مواجهة جديدة في سوريا وهي لم تضمد بعد جراح تدخل عسكري في ليبيا قبل عام من الآن.