شيّع، بعد ظهر أمس الثلاثاء، في جو مهيب، جثمان فقيد القضية الوطنية المناهض للاستعمار، البروفيسور المناضل بيار شولي، إلى المقبرة المسيحية بديار السعادة بالمدنية (العاصمة) بحضور شخصيات سياسية وتاريخية وبعض رفاق الفقيد وقدماء السلك الطبي وعائلته تتقدمها زوجته كلودين وأولادها وأحفادها وجمع غفير من المواطنين. وحضر مراسم تشييع جثمان الفقيد المسجى بالعلم الوطني شخصيات تاريخية وثورية عايشت فترة نضال هذا الأخير وعدة وزراء وأعضاء من الحكومة يتقدمهم وزير المجاهدين السيد محمد شريف عباس ووزير الصحة السيد عبد العزيز زياري والأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السيد سعيد عبادو والمسؤول الأسبق بفدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني علي هارون ورئيس الحكومة الأسبق رضا مالك ورئيس الدبلوماسية الجزائرية الأسبق السيد الأخضر الابراهيمي ورئيس أساقفة الجزائر الأسبق هنري تيسيي فضلا عن شخصيات سياسية وثقافية ومتعاطفين مع المناضل. ورافق المئات من المواطنين إلى جانب شخصيات رسمية في الدولة وعائلة الفقيد وأعوان الحماية المدنية جثمان بيار شولي من بيت الأسقفية بأعالي العاصمة إلى مقبرة ديار السعادة نزولا عند رغبته وسط تصفيقات وزغاريد سكان حي السعادة، حيث ووري الثرى إلى جانب أحد المناضلين الجزائريين من أصول فرنسية هنري مايو الذي ساهم بدوره في دعم ومساندة الثورة الجزائرية قبل أن يقتل برصاص الجيش الفرنسي في 4 جوان 1956. وفي كلمة تأبينية، نوّه رئيس أساقفة الجزائر الأسبق هنري تيسيي بخصال ومناقب الرجل الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجل دعم القضية الوطنية على الصعيد الفرنسي والدولي، معتبرا أن الفقيد الذي اختار العيش في الجزائر كجزائري غداة الاستقلال كان مثالا يحتذى في الدفاع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وقدوة في الالتزام والحزم والمثابرة في سبيل استقلال الجزائر من وطأة الاستعمار والشروع في مرحلة البناء. وتطرّق المتحدث إلى المسيرة النضالية المشرقة للفقيد في دعم المساعي والجهود الرامية إلى الاستقلال والتحرر من هيمنة الاستعمار الفرنسي، موضحا أن أمثال هؤلاء الرجال يبقى تاريخهم حيا وتبقى مسيرتهم نبراسا يضيء دروب التحرر والانعتاق من مختلف أشكال الاستعمار. وقال: "إن الجزائر تودّع اليوم أحد أبنائها البررة الذين لم يبخلوا يوما في الدفاع عنها وحمايتها وجعلها فوق كل اعتبار، رغم الصعاب التي كانت تعترض طريقهم، حيث شاءت الأقدار أن يعيش اليوم الذي لطالما حلم به وهو استقلال الجزائر..". وبعدها شرعت عناصر الحماية المدنية في مواراة جثمان الفقيد قبل أن يقوم الحضور بإلقاء النظرة الأخيرة على قبره المغطى بباقة من الورود كتب عليها "رفيق السلاح ارقد بسلام". ومن جهته، أكد وزير المجاهدين السيد محمد شريف عباس أن المناضل بيار شولي يعد شخصية متميّزة استطاعت أن تزاوج بين النضال من أجل حق الشعوب في تقرير مصيرها والانعتاق من نير الاستعمار ودعم القضية الوطنية في المحافل الدولية. ما جعله ينفرد بامتياز بصفة المناضل الذي وهب كل ما لديه للجزائر التي اختار جنسيتها منذ السنوات الأولى للثورة بكل طواعية. كما أشاد كل من رضا مالك وعلي هارون بالمساهمة الكبيرة التي قدّمها الفقيد شولي من أجل استقلال الجزائر حيث وصفا دوره بالمشرف في الوقوف إلى جانب قضايا التحرر عبر العالم. وعزّ رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة عائلة الراحل في برقية جاء فيها "رحل عنا بيار أخونا ورفيقنا في النضال فلا يضاهي حزننا لفقده إلا ما أحطناه به على الدوام من احترام وتقدير.. كما كان الفقيد من الرجال أولي العزم والإقدام قطع مسيرة كانت محطاتها التزامات لا تتزعزع في سبيل الجزائر التي ضحى من أجلها دونما تررد.." ويذكر أن المناضل بيار شولي توفي يوم الجمعة الماضي بمونبوليي عن عمر يناهز 82 سنة إثر صراعه المرير مع مرض عضال، حيث يعد من مواليد 1930 بالجزائر وهو أحد رواد الطب الجزائري. وإبان حرب التحرير الوطني ناضل إلى جانب جبهة التحرير الوطني حيث كان مكلفا بعدة مهام التقى خلالها بكبار قادة الثورة أمثال عبان رمضان. كما كان بيار شولي أحد مؤسسي وكالة الأنباء الجزائرية عام 1961 بتونس وكان أيضا ضمن فريق تحرير جريدة "المجاهد" عميدة الصحافة الوطنية المكتوبة. وبعد الاستقلال قام بيار شولي الأخصائي الكبير في الأمراض الصدرية والتنفسية بتكوين عدة أجيال من الأطباء الجزائريين وكان خبيرا في مكافحة مرض السل. كما شغل الفقيد منصب نائب رئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان وعضوا بالمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي.