يعود الأخضر الإبراهيمي الموفد الدولي إلى سوريا هذا الأسبوع وقد ازدادت الأوضاع تعقيدا في هذا البلد مقارنة بالأجواء التي طبعت زيارته الأولى شهر سبتمبر الماضي والتي أعطت بريق أمل حول إمكانية التوصل إلى صيغة اتفاق مبدئي يتم من خلالها إسكات لغة الرصاص وفتح الباب أمام لغة الحوار الغائبة بين الفرقاء منذ 19 شهرا. وتوالت صور هذه التعقيدات تباعا منذ أول لقاء له مع الرئيس بشار الأسد إلى درجة جعلت تخميناته بمخاطر توسع المواجهات الداخلية إلى حرب إقليمية تتأكد الآن بسبب التوتر الحاصل بين العلاقات السورية التركية ويكاد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة بين البلدين الجارين. الأكثر من ذلك فإن الأوضاع العسكرية ازدادت تعفنا منذ لقاءاته مع الرئيس الأسد وممثلي المعارضة السورية وعواصم دول الجوار وبدلا من أن تكون مساعيه بادرة لانفراج الأوضاع، فإن ما حصل كان عكس ذلك تماما، حيث اشتدت المواجهات ومعها وسائل الدمار من الجانبين وأعداد القتلى من الجانبين والمدنيين على السواء. والمفارقة أن الدول الغربية الحريصة على الإطاحة بالنظام السوري فضلت هذه المرة تقليص تحركاتها الدبلوماسية سواء على المستوى الإقليمي أو على مستوى مجلس الأمن الدولي وكأن النية غير المعلنة تبقى تعفين الأوضاع إلى أقصى حد من خلال تقوية جانب المعارضة المسلحة وتمكينها من صد رد القوات النظامية. وبدأت مثل هذه الخطة تتجسد بالتدريج انطلاقا من شمال البلاد وعلى طول الحدود التركية، حيث تأكد الاتجاه نحو تقوية شوكة المعارضة من خلال مدها بشتى أنواع الأسلحة إلى غاية تمكنها من إقامة منطقة محررة من القوات النظامية ضمن خطوة تمهد لإقامة هيئات انتقالية معارضة لنظام دمشق. ولا يستبعد أن يكون التوتر المتصاعد في العلاقات التركية السورية وبلوغه مرحلة قرع طبول الحرب إلا خطوة ضمن مخطط واسع يعتمد عامل الوقت من أجل تركيع نظام سوري يرفض الإذعان للضغوط الغربية حتى وإن كانت عسكرية. كما أن فتح جبهات قتال في كل مناطق البلاد ينم عن استراتيجية واضحة من أجل تشتيت الجهد العسكري للجيش النظامي، الذي بدأ يتكبد خسائر في الأرواح والمعدات وفقدانه لمواقع عسكرية ذات قيمة كلها تدخل في إطار هذه الاستراتيجية. وهي كلها أيضا لا تخدم تحرك الأخضر الإبراهيمي، الذي مهد لثاني زيارة له إلى دمشق بمحطات بدأها أمس بالعربية السعودية، حيث التقى بالملك عبد الله قبل أن يصل اليوم إلى أنقرة التركية على أن يتوجه بعدها إلى الدوحة القطرية ويختمها بالعاصمة المصرية في مهمة استقراء الجديد في مواقف هذه الدول قبل لقاء حاسم مع الرئيس الأسد. ويمكن القول إن مهمة الدبلوماسي الدولي مازالت محفوفة بالخطر إذا أخذنا بنذير الحرب، التي ما انفكت تزداد حدتها من يوم لآخر بين دمشقوأنقرة، التي لا ينتظر أن يجد لدى مسؤوليها ليونة في الموقف منذ زيارة الشهر الماضي، لكن مزيدا من التصلب الذي غذاه إقدام طائرات حربية تركية على إرغام طائرة مدنية سورية قادمة من موسكو على تحويل وجهتها إلى أنقرة بدلا من دمشق بدعوى نقلها لمواد مشبوهة، وهي حادثة كانت كافية لزيادة صب الزيت على نار علاقات متوترة أصلا. ورغم دفاع السلطات التركية عن تصرفها وتأكدها أن الطائرة كانت محملة بشحنات من الذخائر الحربية وأجهزة عسكرية متطورة إلا أن ذلك لم يمنع لا دمشق ولا موسكو من اعتبار ما أقدمت عليه السلطات التركية بأنه قرصنة جوية تتعارض مع كل قوانين الملاحة الجوية العالمية. لكن ذلك لم يثن تركيا على مواصلة ما تصفه سوريا بالاستفزازات ضدها عندما أعادت الكرة ثانية أمس بإقدام مقاتلاتها على إرغام طائرة مروحية سورية على العودة أدراجها عندما كانت تهم بقصف قرية استولى عليها الجيش السوري الحر في شمال البلاد. وهو ما يؤكد حقيقة التعزيزات العسكرية التي أرسلها الجيش التركي إلى الحدود مع سوريا تحسبا لأي طارئ وبما ينذر فعلا بحرب متوقعة بين البلدين. وهي الأجواء التي عاد فيها الإبراهيمي إلى المنطقة وإلى عواصم عبرت ومازالت تؤكد عداءها لنظام سوري مطالب بالرحيل اليوم قبل الغد وبما يجعل مهمته أشبه بالمستحيلة لأنه لن يسمع من أفواه محدثيه إلا المزيد من التشدد في المواقف قد تجعله يرمي المنشفة هو الآخر في منتصف المسير تماما كما فعل سابقه كوفي عنان.