أكد وزير الشؤون الخارجية، السيد مراد مدلسي، أول أمس بباماكو، أن الجزائر دعت منذ بداية الأحداث التي وقعت في مالي إلى مقاربة شاملة من أجل التوصل إلى مخرج للأزمة يقوم على أهداف استراتيجية. وأوضح السيد مدلسي في كلمة ألقاها أمام المشاركين في اجتماع مجموعة الدعم والمتابعة حول الوضع في مالي أن الأمر يتعلق بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلامة الترابية لمالي واستكمال عملية تنصيب سلطات انتقالية قوية وممثلة، فضلا عن البحث عن حل سياسي تفاوضي يشرك الفاعلين، الذين ينبذون بوضوح لا لبس فيه الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان ويرفضون أي مساس بالسلامة الترابية لمالي. كما يتعلق الأمر -حسب الوزير- بوجود الإدارة المالية على كامل ترابها والمكافحة المتواصلة والدائمة للإرهاب والجريمة المنظمة وكذا تكفل المجتمع الدولي بالجانب الإنساني. وتابع السيد مدلسي يقول إن هذه المقاربة تتضمن مسعى ومنطقا إضافيين، فالمنطق الذي يغذي هذه المقاربة الجزائرية يرمي إلى عزل الجماعات الإرهابية وتلك المنضوية تحت لواء الجريمة المنظمة العابرة للأوطان عن المجموعات المتمردة المالية، التي يجب من جهة أن تعترف بأن السلامة الترابية لمالي غير قابلة للتفاوض ومن جهة ثانية تبتعد بشكل واضح لا لبس فيه عن الجماعات الإرهابية وتلك المرتبطة بالجريمة المنظمة العابرة للأوطان. كما أشار إلى أن هاتين النقطتين والشرطين المسبقين يعتبران إشارة واضحة لإرادة هذه المجموعات في البقاء ضمن المجموعة الوطنية المالية بعيدا عن آفتي الإرهاب والجريمة المنظمة وستكون مرشحة لتصبح من الفاعلين في تحقيق السلام وحل تفاوضي. وفي السياق، يجب إشراك وضم ممثلي سكان الشمال إلى مسار البحث عن حل للأزمة وتلبية مطالبهم المشروعة المتعلقة بالتطور وظروف المعيشة، فضلا عن مشاركتهم في مسارات اتخاذ القرار الوطني. كما تتضمن هذه المقاربة حقيقة أن الماليين هم الفاعلون الأساسيون في البحث عن حلول لمشاكلهم وتحديد الإجابة الوطنية على التحديات التي يواجهونها، كما أضاف الوزير أن مرحلة انتقالية هادئة وشاملة ستسهم في توفير شروط الخروج من الأزمة التي تمهد الطريق لتنظيم انتخابات عامة، حرة وشفافة. وحسب رئيس الدبلوماسية الجزائرية فان الخروج من الأزمة في مالي يجب أن يرافقه استمرار مكافحة حازمة ضد الإرهاب و الجريمة المنظمة.وأكد أن الأمر يتعلق بمسؤولية الدولة المالية والدول المجاورة التي وضعت آليات في إطار دول الميدان و كذا المجتمع الدولي. وأوصى السيد مدلسي قائلا أن اللجوء إلى القوة يجب أن يتم وفق تحديد صارم للأهداف والوسائل اللازمة و قواعد الالتزام و التكاليف و تجنيد الطاقات المطلوبة لكي يحظى بكل فرص النجاح. وأوضح أنه من البديهي أن يستهدف أي لجوء إلى القوة التهديدات الحقيقية المتمثلة في الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان.وحسب السيد مدلسي فان ضمان ديمومة أي خروج من الأزمة يستدعي بالضرورة التزاما فعليا و ملموسا للمجتمع الدولي. ومن شأن هذا الالتزام أن يسمح في البداية باعادة إرساء الثقة بين الماليين و بمرافقتهم في تطبيق كل الإجراءات التي سيتخذونها من أجل تعزيز الوحدة الوطنية. وأضاف الوزير أن المجتمع الدولي لديه مسؤولية اتجاه المنطقة لاسيما فيما يتعلق بالتحديات الهيكلية مثل الجفاف والكوارث الطبيعية وسوء التغذية و الاستفادة من العلاج وماء الشرب والتربية. وحسب الوزير فان الرد على هذه التحديات يجب أن يتم على المدى القصير والمتوسط والطويل ولابد أيضا أن يكون منسقا لضمان النجاعة و التكامل. من جانبه أكد السيد رمطان لعمامرة مفوض السلم والأمن بالاتحاد الافريقي أن اجتماع بماكو يشكل “تطورا نوعيا كبيرا” بالنسبة لموقف المجتمع الدولي من الأزمة في مالي بشقيها المؤسساتي والأمني. وأوضح السيد لعمامرة في تصريح للصحافة على هامش اجتماع لجنة الدعم والمساندة حول الوضع في مالي أن “اخذ المجموعة الدولية اليوم على عاتقها مساعدة الحكومة المالية على وضع خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة يعد حدثا ذا دلالة كبيرة”, لاسيما -كما قال- وأن المفهوم الاستراتيجي الذي سينبثق عن هذا الاجتماع “سيشكل أساسا لقرارات لاحقة ستتخذ من طرف مجلس السلم والأمن للإتحاد الإفريقي لتحال فيما بعد على مجلس الأمن الاممي”. وأضاف أن هذا المفهوم الاستراتيجي يرتكز أولا على تنظيم المرحلة الانتقالية وصولا إلى انتخابات رئاسية في مالي وذلك من خلال مؤسسات انتقالية مفتوحة على كافة الفعاليات السياسية. ويرتكز المحور الثاني- حسب السيد لعمامرة- على “تنشيط وتنظيم المفاوضات مع المجموعات المسلحة المالية المعارضة باستثناء الحركات الإرهابية في الشمال” فيما يتمثل المحور الثالث في “وضع آليات أمنية وعسكرية بدءا بإعادة تفعيل وتقوية القوات المسلحة الأمنية المالية”. ومن شأن هذا المفهوم الاستراتيجي - مثلما أشار- أن “ينظم مساهمات الدول الصديقة والمجاورة لمالي على أساس رغبات الحكومة المالية بكل شفافية وفي إطار الشرعية الدولية”. أما المحور الرابع فيتعلق بمعالجة “الأسباب الكامنة وراء الأوضاع المتوترة في منطقة الساحل والصحراء منها الأسباب الاقتصادية والبيئية بالإضافة إلى كون الجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات والإرهاب أصبحت ظواهر تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها على أن تكون تعبئة المجتمع الدولي من أجل مساعدة مالي للخروج من هذه الأزمة ركيزة لعمل أوسع تستفيد منه الدول الأخرى المجاورة في هذه المنطقة الحساسة”.