فرضت التحديات الامنية، السياسية والاقتصادية التي يعرفها العالم خلال السنوات الاخيرة تقاربا جديدا في العلاقات الجزائرية - الأمريكية، ترجمتها سلسلة اللقاءات التي تجمع المسؤولين الجزائريين بنظرائهم الامريكيين على أعلى مستوى من خلال تبادل الزيارات، كما هو الشأن للزيارة المرتقبة لكاتبة الدولة الامريكية السيدة هيلاري رودام كلينتون إلى الجزائر اليوم الاثنين، حسبما افاد به امس بيان لوزارة الشؤون الخارجية. وأضاف المصدر أن هذه الزيارة تندرج في سياق الدورة الاولى للحوار الاستراتيجي الجزائري –الامريكي المنعقدة في 19 اكتوبر الجاري بواشنطن والتي أعطت دفعا ملحوظا للتشاور السياسي بين البلدين. كما ستتمحور المحادثات التي ستجريها كاتبة الدولة الامريكية بمناسبة زيارتها للجزائر والتي تعد الثانية من نوعها بعد تلك التي قامت بها منذ ثمانية أشهر، حول تعزيز الشراكة الاقتصادية والامنية بين البلدين ومسائل الساعة الاقليمية والدولية. وإذا كان التعاون الامني المتمثل في مكافحة الارهاب قد عزز التقارب بين البلدين، من منطلق أن الظاهرة عابرة للحدود، فانه ساهم بقدر كبير في التطلع نحو توسيع مجالات التعاون الاخرى لا سيما الاقتصادية منها. غير أن التعقيدات التي تعرفها الازمة المالية وحركية التعاون التي اثمرها الحوار الاستراتيجي بين البلدين، تعد ابرز دوافع زيارة السيدة كلينتون الى الجزائر التي تخصها لوحدها بهذه الزيارة دون دول المنطقة الاخرى قبل توجهها الى منطقة البلقان. فقد ترجم انطلاق الحوار الاستراتيجي الجزائري -الأمريكي الذي ضم الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وكذا التربوية والثقافية، الإرادة المشتركة لكل من الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية في تأسيس إطار منظم ومهيكل للعلاقات العميقة بين البلدين والتي تهدف إلى تكثيف التعاون الثنائي والتشاور في جميع المجالات وحول كل القضايا الدولية. وشهدت الدورة مناقشات معمقة بخصوص مسائل مرتبطة بالنمو والاستثمار المباشر بين الجزائروالولاياتالمتحدةالامريكية وكذا التعاون في مجال الشبيبة والتكنولوجيات الحديثة إلى جانب التجارة والفلاحة والسكن والمياه والثقافة، إضافة إلى التطرق إلى الوضع في منطقة الساحل والجهود المبذولة من أجل تسوية الأزمة المالية، حيث كانت المناسبة للجزائر لعرض قراءتها للائحة 2071 التي صادق عليها مجلس الأمن مؤخرا، مشيرة إلى أن هناك تصورا مشتركا للبحث عن حل يضمن استقرار هذا البلد، ويحفظ وحدته الترابية مع القضاء على الإرهاب والجريمة المنظمة بكل الوسائل بما فيها اللجوء للقوة. وكان الجنرال كارتر ف. هام القائد الأعلى لقيادة القوات المسلحة الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم)، قد اكد خلال زيارته للجزائر في الفاتح من اكتوبر الجاري ان بلاده تؤيد ايجاد حل "سياسي ودبلوماسي" للازمة بشمال مالي، منوها في هذا الصدد بالحضور الفعال جدا للجزائر لا سيما بفضل المساعدة الانسانية التي تقدمها للسكان اللاجئين بالمنطقة. ويمكن القول ان ديناميكية التعاون الثنائي قد سمحت بتحقيق تقدم نوعي وهو ما اكده سفير الجزائر بواشنطن السيد عبد الله بعلي في احدى تصريحاته، عندما اشار الى أن "العلاقات تعرف متانة وقوة أكثر على الصعيد الثنائي بالنسبة للمسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وتوسعت لتشمل التشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية". وهو ما ذهبت إليه كاتبة الدولة الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون، إذ اكدت "امتنان اكبر قوة في العالم للجزائر". وأن "الولاياتالمتحدة تعبر عن عرفانها للتعاون الممتاز مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب". نفس الانطباع أبداه الرئيس الامريكي باراك أوباما عندما اوفد مستشاره الرئيسي للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب السيد جون برينان، حيث اكد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن استعداده "لبناء علاقات قوية بين البلدين" وكذا "امتنانه لجهود الجزائر في التعاون" في مجال مكافحة الإرهاب كما اعتبر الجزائر شريكا هاما بمنطقة شمال إفريقيا. وكانت زيارة السيد برينان إلى الجزائر العام الماضي متبوعة بزيارات كل من كاتب الدولة المساعد ويليام بيرنز ورئيس قيادة قوات الولاياتالمتحدة بافريقيا (أفريكوم)، السيد كارتر هام وكاتب الدولة المساعد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا السيد جيفري فيلمان ونائب كاتب الدولة لمنطقة المغرب العربي السيد ريموند ماكسويل والمستشار السامي لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية لدى كتابة الدولة السيد مارك آدامز ومنسق مكافحة الإرهاب بكتابة الدولة السيد دانيال بنجامين. و يستشهد السيد بنجامين في كل تدخل له خلال النقاشات أو خلال جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي حول مكافحة الإرهاب بالدور الفعال والمرجعي الذي تلعبه الجزائر في مكافحة هذه الآفة الدولية. ومن أجل إضفاء تناسق أكبر على الشراكة في مجال محاربة الظاهرة، كانت ندوة الجزائر حول مكافحة الإرهاب بدول الميدان (الجزائر-موريتانيا-النيجر-مالي) متبوعة بمحادثات متعددة الأطراف جمعت بواشنطن ممثلي البلدان الأربعة ومسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى من البيت الأبيض وكتابة الدولة والبنتاغون. كما جسدت مساهمة الجزائر العالمية في مكافحة الإرهاب من خلال مشاركتها الفعالة في إطلاق المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بنيويورك الذي تعد الجزائر من أعضائه المؤسسين. وفي المجال الاقتصادي لا تزال الولاياتالمتحدة الزبون الأول للجزائر المصنفة حسب وزارة التجارة الأمريكية من بين ال20 بلدا الذين لهم فائض في الميزان التجاري مع الولاياتالمتحدة. في حين مازالت الشراكة الاقتصادية محصورة في قطاع المحروقات بالرغم من القدرات الموجودة والمزايا التي تقدمها الجزائر. وفي سياق التطورات السياسية التي تميز عدة بلدان عربية رحبت الولاياتالمتحدة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية الواسعة التي باشرتها الجزائر سلميا، حيث كانت أول من أشاد بالجهود المتواصلة التي تبذلها الجزائر من أجل ضمان تكريس أفضل للديمقراطية. وفي تحليله سجل الكونغرس على الفور الفرق بين طبيعة الحركات الاحتجاجية التي سجلت في الجزائر وتلك التي نشبت في غيرها من البلدان العربية التي عرفت ثورات شعبية تكريسا لمقاطعة كاملة مع الأنظمة الحاكمة.