الحب، العنف، الأب، الحيّ الشعبي، المرأة ومواضيع أخرى تناولها الكاتب والناشر بشير مفتي في أعماله مثلما كان عليه الأمر أيضا في روايّتيه الأخيرتيّن “دمية النار” و«أشباح المدينة المقتولة” وهو ما ذكره بالتفصيل في اللقاء الذي نُظم، أول أمس، بمكتبة “الشهاب”. بهذه المناسبة، تحدث بشير مفتي عن بعض المواضيع التي تهمه وتمس وجدانه وتحرك عقله وتدفع بخياله إلى السباحة والغوص في الأعماق بدون خوف، فقال أنه تناول في رواياته الحب وكيف يجد الجزائري صعوبة في عيش قصص حب متكاملة فيجد نفسه متخبطا في قصص حب متجزئة ويتزوج بدون حب وهو ما ظهر جليا في روايته الأخيرة “أشباح المدينة المقتولة” التي تناول فيها شخصيات ضائعة تريد أن تعيش قصص حب تنتهي مأساويا بفعل تشابكها أيضا مع البيئة المغلقة. وتطرق مفتي أيضا إلى الحي الشعبي الذي يعتبره بؤرة تواصل بين أبطال رواياته، خاصة وأنه ابن حي شعبي تربى فيه واشتم ريحه وتأثر بكل ما ينبض فيه من حياة وموت، مشيرا إلى أن هذه الأحياء تعتبر سجنا كبيرا يضم الكثير من الأحلام التي لا تجد لها متنفسا، بيد أنها في نفس الوقت ملحمة لأحداث واقعية محضة تشكل تراجيديا كبيرة تكون في أغلب الأحيان مناسبة تماما كموضوع عمل روائي. في نفس السياق، أكّد مفتي أنّ الأحياء الشعبية تضم المادة الخام للأعمال الأدبية وتسبح فيها كل التناقضات، مضيفا أن الجزائري مقهور حتى مع نفسه ويكافح بكل مرارة للخروج مما هو عليه من ضياع وينافس قوى مرئية تأخذه في كل الاتجاهات، بالمقابل تحدث بشير عن المرأة في أعماله فقال انه يرسمها كشخص قوي قد يستطيع الخروج من المتاهة رغم أن الواقع يقول غير ذلك باعتبار أن المرأة أول من يُضحى بها واكثر من يفشل في الواقع الجزائري إلا أنها ومع ذلك يمكن أن تكسر الحواجز باعتبار أنها تعرفها جيدا لأنها خُلقت فيها. واعتبر مفتي أن جميع شخصيات روايته الأخيرة يريدون التحرر إلا أنهم يفشلون في مجتمع يحدد أخلاقيات الجميع ويفرض قيوده عليهم، فيخسر على إثر ذلك، أفراده المتميزين لتكون الفكرة الأساسية لهذا العمل هي “صراع الفرد مع المجتمع”، بالمقابل، تناول الكاتب أيضا شخصية الاب التي ركز عليها أكثر من تركيزه على الام وفي هذا قال “يرمز الاب إلى السلطة الشرعية فالأب الجزائري الذي عرفته هو ذلك الكتوم القوي الذي يقسو علينا إلا انه ومع ذلك يحبنا، فنشعر اتجاهه بالانبهار والخوف في آن واحد”. وغير بعيد عن الآباء، تطرق بشير إلى تأثير الثورة وأحداثها على مواضيع أعماله، فقال أن والده مثل أي شخص في عمره كان يحدثه كثيرا عن الثورة ولهذا تأثر بأحداثها ليحاول في أعماله أن يجيب عن إشكالية استمرار العنف في الجزائر وهو ما انجر عنه “عشرية سوداء” ثلاثين سنة فقط بعد الاستقلال، ليتوقف الكاتب كثيرا عند هذه النقطة ويضيف أنه كان علينا أن نقبل تاريخنا بجميع نواحيه وبالتالي التطرق أيضا إلى العنف الذي حدث في مرحلة الاستعمار متسائلا كيف يكون سلوك الأب مع أطفاله وقد قتل سابقا ولو باسم الثورة أو باسم معتقدات سامية؟ ودائما في هذا الصدد، أوضح الكاتب أن العنف في الجزائر لم يبدأ في التسعينات وكان علينا ألا نمحو من ذاكرتنا العنف الذي تعرض له الجزائري ونتمتع فقط بثمار الاستقلال، مشيرا إلى أهمية أن يكتب الكاتب عن مثل هذه المواضيع وألا ينسى أو يتناسى كل العنف الذي عاشته الجزائر مثلما هو مطلوب على مستوى السياسة العامة، بل يجب أن يطرح الكثير من الاسئلة خاصة تلك التي لم تُطرح وسيكون ذلك في صالح الجيل الجديد الذي يجب أن يفهم مسببات العنف ومواضيع أخرى حتى يتمكن من العيش في سلام. وأكد مفتي صعوبة أن يكتب عن العشرية السوداء مثلا متمنيا لو كان باستطاعته أن يكتب عن عالم خيالي مثل عالم بورخيس، إلا أن الواقع يلحق به ويجبره على الكتابة عنه، وهو ما يعتبره صعبا لأنه يتطلب منه استثمارا روحيا رهيبا علاوة على تذكر كل المآسي الجماعية التي عاشها الشعب الجزائري ليؤكد ضرورة نقاش حول موضوع العنف في الجزائر حتى لا يخّلف العنف مرحلة أخطر يحدث فيها القتل المعنوي، لينتقل إلى موضوع الموت الذي كتب عنه كثيرا وقال أن الحديث عن الموت في الجزائر، أمر طبيعي جدا. في إطار آخر، ذكر مفتي أنه لا يؤمن أبدا بالشر المطلق والخير المطلق بل يحاول أن يبين في أعماله كيف يتعامل الشخص مع الواقع الملتبس ويضعه في قالب ويحكي عن مراحل حياته ليحط القارئ في صورة كاملة مثلما كان عليه الامر مع بطل روايته “دمية النار” رضا شاوش الذي كان على علاقة صعبة مع والده مدير سجن وخادم مطيع للنظام ليتحول في الأخير إلى احد رجالات “سلطة الظل” متسائلا عن إمكانية تجسيد رواياته مع السينما وهي التي تتناول مواضيع تدخل في عالم المحظور مثل الكبت الجنسي وكشف المسكوت عنه في تاريخ الثورة والعنف ضد المرأة وغيرها.