التقيت أحد الأصدقاء بعد غياب قارب 10 سنوات، وهو مهندس بإحدى الولايات الجنوبية، وصديقي هذا من صنف الرجال الذين يفتخرون بوطنيتهم ويقدرون المسؤولية، ويغارون على مؤسسات الدولة. وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، روى لي قصة مثيرة حول ما يحدث في كثير من الأحيان عندما تسلم المشاريع للمقاولين. فقال لي مثلا: هناك مشروع لمد خط أنابيب للصرف الصحي على مسافة طويلة. من الناحية التقنية، يسلم المشروع على أنه حصة واحدة... لمقاولة متخصصة، ذات إمكانيات مادية وبشرية، لكن أصحاب المقاولات، وخاصة التي لا تتمتع بالقدرة على إنجاز المشروع كحصة واحدة، يشكلون عامل ضغط على أصحاب القرار... فيتدخل العامل السياسي في شؤون الجانب التقني، ويتجزأ المشروع ويوزع على عدد من المقاولين، وعند الإنجاز تحدث العديد من الاختلالات والأخطاء، التي قد تعرقل جريان المياه داخل القنوات بصفة طبيعية، نتيجة عدم انسجام وتوازن المستوى الإنسيابي لتدفق المياه إلى جانب التسربات وقد يحدث أن يعاد تصليح بعض الأجزاء مما يتطلب إعادة تقييم المشروع، وتخصيص ميزانية خاصة. وكل ذلك بسبب المنتخبين المحليين الذين يحاولون إرضاء بعض المقاولين الصغار على حساب مشاريع الدولة ومصلحة المواطن.