الذات الشاعرة أحاسيس جمالية مفرطة داخل النفس الذواقة التي تجعل من الحروف فرشاة تلون من خلالها الجمل، لتصور تلك الملامح في قصائد تترجم بها ترانيم أجراس النبض.. والشاعر يبقى ذلك التشكيلي الذي يختزل الأزمنة ويلتقطها من بساتين مختلفة لحضارات متنوعة، فينتج القصائد التي ما هي إلا سلل لثمار الجمال المتنامية في المشاعر والأحاسيس، ومن هذا الجمال، اختار لنا الشاعر بلقاسم مسروق باقة شعرية ”سأحبك.. ولكن بعد حين”. عندما لا نجد سيرة شاعر تترجم انفجاراته الداخلية وجداوله النفسية، فإن قصائده تعد بطاقة انخراط في هذا العالم الوجداني الذي يسمح لنا بالتقاط بعض التفاصيل، ورسم بعض الملامح المهربة من هذه القصائد أو تلك النصوص. لم يسبق لي قراءة قصائد الشاعر بلقاسم مسروق، إلا أن أداته فلسفية تأملية، يستنطق من خلالها الأزمنة والأمكنة ويحاول استقراء التاريخ الذي هو زقاق من أزقة الأزمنة المتساقطة على حوافي مسار الحياة، أو تلك التي تطفو ملامحها من خلال قراءة توقعية للآتي. قصائد ترتدي الرمز، تحاول إلقاء جمل مسيلة للغموض، البداية جملة يأكلها هذا الوهم الذي نسلكه، هذا السراب الذي نمسكه فيتبخر ويتلاشى في لهب الظمأ، قد يكون واضحا، لكن حينما نحاول ارتشافه يزيد ظمأنا إليه. يستهل الشاعر باقته بقوله: ”أحيانا تبدو لنا بعض الأشياء غامضة جدّا، مع أنها في منتهى الوضوح”. تتصدر الباقة الشعرية: ”سأحبك.. ولكن بعد حين، ”قصيدة عمودية تحت لون ”بطاقة هوية”، ونبقى نتساءل؛ هل تكشف لنا هذه البطاقة عن الانتماء؟ هل تضع بعض التفاصيل عن شخصية الشاعر؟ أم أنها تضيف إلينا بعض الاضطراب والغموض؟. بلغة صوفية مفاجئة، مستغرقة في الرمز تقتات من مصطلحات العارفين، توظفها في طريقها إلى البحث عن ذات الحقيقة، حيث نجد الشاعر يقول مخاطبا حبيبه: «يا حاضر الصّمت في صلواتي يا الّذي أهواه في شطحاتي يا أنا.. يا الّذي كنت تهوى يا شتات الرّوح في عبراتي” لست أريد في هذا التقديم للباقة الشعرية أن أجري قراءة بقدر ما أعمل على تقديمها كمجموعة شعرية صدرت مؤخرا، إلا أن قاموس القصيدة يوحي لنا بصوفية شعرية متأملة ”الصمت، الصلوات، الذي أهواه، الشطحات، يا أنا، يا شتات الرّوح”، معظمها نبضات وجدانية صوفية قد تبتعد بالسالك إلى مدارات، أو مجرّات بعيدة.. ولهذا، أراني أختزل السير، وأختصر النهايات التي تبقى مفتوحة، لأترك للقارئ حقه في هذه السفرية. ومن ”بطاقة هوية”، يأخذنا الشاعر إلى إشراقات تورّدنا من نفس النبع، حيث نجده يقول: «لا.. لا تسل إن أنا بعثرت أكفاني وجئت أحمل بالنّهار أحزاني ينساب في ألق الجراح.. في شفتي وقع الرّتابة إن غازلت أوثاني” أحس في حرارة هذه القصائد أنفاس ابن عربي.. حيث يمضى بنا الشاعر في الإبحار الصوفي في ”تأملات في مرايا الصمت والاحتراق”، حيث نجد نفس القاموس ”المرايا، الصمت، الاحتراق” فواصل صوفية.. لتأتي بعدها قصيدة: ”تسكعات بين أروقة الماضي والحاضر”، وهكذا يمضي بنا الشاعر المتألق بلقاسم مسروق في باقته الشعرية التي قسمها إلى قسمين؛ قسم الشعر العمودي الّذي يبدأه بقصيدة ”بطاقة”، وينهيه بقصيدة”طفلتان هما”، وقسم النصوص الذي يفتحه بنص ”تأملات في ذاكرة الآتي” وينهيه بنّص ”عشيقة”، تتوزع الباقة الشعرية على 14 قصيدة و06 نصوص تضمهما 110 صفحات من قطع الجيب، الباقة صدرت عن: فيسيرا للنشر 2012م.