ذات ليلة من ليالي شتاء بارد ممطر، كنت أتوسد الخوف من سقف هاو، وأتغطى بالأخبار العاجلة، كانت ليلة ليلاء، موحلة، مبرقة، راعدة، عاصفة قاصفة، نفى عني الكرى تكدر الحاضر والتفكير في مستقبل هيامي هارب، وبت أعد نجوما لا وجود لها، رغم طول ليل الشتاء، إلا أنني لم أنم إلا قبيل طلوع الفجر، ولم يكن الحلم يختلف عن سواد وهيجان تلك الليلة، فقد رأيت نفسي أجوب عوالم لم أرها من قبل، صحاري شاسعة ممتدة لا حددود لها، كثبان الرمل تشكل قبورا عملاقة أسطورية، تتحرك فيها الرمال زاحفة كالحياة نحو أي كائن حي، أزيز ينبعث من الأرض، دوي مجهول المصدر، لكنه كان يهزنا. قال خبير بتضاريس المنطقة: هذه الصحراء سابحة على بحر من الماء، وقال ثان لا يقل عنه تجربة؛ إنها عائمة على بحر من النفط، ونطق من له علم بسطح الصحراء وباطنها قائلا في لغة واثقة: إن هذه الصحراء التي تقفون على أديمها وكل صحاري العالم العربي عائمة على بركان عظيم بوادر انفجاره ماثلة أمامكم في ذلك الدخان الذي ترونه يظهر حينا ويختفي كجني الصحراء، وما كاد يكمل حديثه حتى أخذنا نشعر بشيء غريب يتحرك تحت أقدامنا، ورأينا الأرض كالمرجل في غليانه والرعد آت هذه المرة من باطن الصحراء التي كانت ذات يوم جنة لأهلها، لم نكد نرى بعضنا، لهول ما حل بنا من دخان قاتل وزوابع رملية تعمي الأبصار، وكدنا نتيه وتبتلعنا رمالها، لم تكن ثورة بركان فحسب، بل القيامة كما أخبرنا عاجل أتانا من وميض البرق، لم نصدق الخبر العاجل للوهلة الأولى، فأكده عاجل ثان، ورحنا نصارع الموت من أجل الحياة ونقاوم الرمال والقيامة، وصرنا كالعصف المأكول، حتى كادت عزائمنا تخور، ونحن نقاوم الفناء، سألنا من اعتقدنا أنه المتسبب فيما نحن فيه، والقائم بفعل القيامة: هل هي القيامة الوارد ذكرها في سورة القارعة، هل هي عامة شاملة لكل الكون، أم هي قارعة من صنعك أنت؟! نحن نسأل المجهول، كنا نسأل شبحا ماردا غير مرئي، وسمعنا الجواب آت مع هدير الرعد: هذه قيامة خاصة بصحاريكم فقط لاتتعداها إلى غيرها... متسائلا: لمَ تقوم عند غيركم، ماذا فعلوا حتى تتمنون لهم القارعة، وهم من هم؟ هم لا صحراء لهم ولا براكين أرضية كبراكينكم، ولهذا فلا قيامة لهم ولا قارعة. عندها أدركنا أنها فعلا قيامة موضعية، وعلينا تحمل آثارها والمقاومة، عسانا... وأيقظتني صاعقة اخترقت شرارتها الأرض الموحلة ويبدو أنها غير بعيدة عني.