كتب الروائي رشيد بوجدرة »يوميات فلسطينية« وهو يعيش في عمق الاراضي المحتلة بعدما تسلل إليها بمساعدة الفصائل الفلسطينية وخرج من هذه التجربة التي مر عليها 36 سنة بقناعة وهي أنه لابديل عن المقاومة المسلحة. أسهب الروائي رشيد بوجدرة في الحديث عن القضية الجوهرية للعرب والتي بدأ احتكاكه المباشر معها سنة 1972 حين عاش سنة كاملة في منطقة الشرق الاوسط قادته الى المخيمات الفلسطينية ببيروت، ثم سوريا فالأردن الى أن قضى مدة 3 أسابيع في اسرائيل، حيث دخل إليها بمساعدة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والحركة الديمقراطية. وقد أكد بوجدرة خلال اللقاء الذي دار أول أمس بالمكتبة الوطنية ضمن الشهر الفلسطيني، أن كتابه هذا لايزال يطبع لما يحمله من حقائق غير قابلة للزوال بل تعدّ حقائق راهنة تعبر عن القضية الفلسطينية التي -كما يقول- لاينقطع نفَسُها، مؤكدا من جهة أخرى رفضه لعبارة »نكبة« بل هي »قضية استعمار تتطلب المقاومة المسلحة« هذه الاخيرة تزداد تصعيدا في فلسطين ربما اكثر مما كانت عليه في سنوات السبعينيات. »يوميات فلسطينية« كتب باللغة الفرنسية ورفضته دار النشر الفرنسية التي دفعت تكاليف رحلة بوجدرة الى المشرق بحجة »التواطؤ مع العرب« و»عنصريته ضد اليهود«، وهذا غير صحيح حسبما أشار إليه بوجدرة -إذ أن له اصدقاء كثيرون من أصول يهودية وبالتالي فهو لايحمل أية صفة للعنصرية بل إن الغرب هو العنصري ولا يخفي وقاحته اتجاه العرب، متوقفا عند الرقابة ومصادرة أعماله منها 100 ألف نسخة طبعت في ألمانيا بسبب هذه الرؤى الضيقة، لكن وبعد رواج أعماله على المستوى الاوروبي والعالمي عاودت دور النشر الإلتفات الى »يوميات فلسطينية« ليتم طبعها وإعادة طبعها. بوجدرة اختتم مداخلته بأبيات شعرية من ديوانه »لقاح« الذي صدر سنة 1977 في مجلة »آمال« والذي اختار منه قصيدة »الارتجال في كيفية شرب القهوة« وتروي مأساة العرب وعجزهم عن الدفاع عن قضاياهم. تضمن اللقاء أيضا مداخلة للسيدة »سوزان فراح« (سوسيولوجية فلسطينية مقيمة بفرنسا)، وتحدثت فيها عن الهوية الوطنية وعلاقتها بالأدب. وفي عرضها التاريخي تحدثت المحاضرة عن التهجير الذي عاناه الشعب الفلسطيني سنة 1948 وعن محاولة قطعه من جذوره التاريخية والحضارية، ومحو اسم فلسطين من خارطة العالم الى درجة أنه في أوروبا لم يعد يسمع باسم هذا البلد بل بإسرائيل وفقط. وقالت المحاضرة أن الأدب صورة لوجود وهوية وتاريخ هذا الشعب، طمسته قوى الاحتلال الذي يزعم أن هذا الشعب لا أثر له في التاريخ بينما يؤكد التاريخ نفسه أن الحركة الثقافية والفكرية كانت رائجة قبل الاحتلال سنة 1948، وأن المثقفين الفلسطينيين شاركوا في النهضة العربية الحديثة على غرار روجي الخالدي، وخليل السكاكيني، وعيسى العيسي الذي أسس اول جريدة فلسطينية سنة 1911. أما بعد الاحتلال تضيف فراح، فقد برز هؤلاء المثقفون عبر 4 مجموعات أولها مجموعة مثقفي الداخل أو ما يعرف بعرب اسرائيل (أراضي 1948) وتتسم كتاباتهم بمخاطبة المحتل والحديث عنه، ومن ابرز هؤلاء سميح القاسم ثم درويش في بداياته، وأمل حبيبي ثم مجموعة الاراضي المحتلة سنة 1967 وهو أدب ملتزم وثوري. ومجموعة المخيمات ثم مجموعة الشتات ويتميز أدبه بالحنين الى الوطن، والعامل المشترك في هذه الأعمال هو الذاكرة والوطن. في نهاية هذا اللقاء تم عرض فيلم تسجيلي لسيمون بينون بعنوان »محمود درويش: الأرض كاللغة« يصف حياة الشتات التي يعيشها هذا الشاعر، تبدأ الرحلة في الفيلم سنة 1997 لتلتقي درويش في عمان إذ يقف على حدودها ليتطلع الى الضفة الاخرى من وطنه المحروم منه منذ ان كان عمره لايتجاوز ال6 سنوات سنة 1948، لقد دمر بيته وشردت عائلته ولم يتبق منه إلا الأطلال. يقول درويش في هذا الفيلم أنه يعيش حياة المنفى ويتساءل عن كيفية كتابته لوصية أهله من فوق السحاب، ويتساءل عن سر شهرته وحب الجماهير له، ورغم كل ذلك يحس بالوحدة، لكنه يؤكد أن -سبب انتشار شعره يعود لعدم استعماله للصور والاستعارات بل إنه يقدم الحقول والأرض والوطن في أبياته ويصورها كما هي. تدخل كاميرات الفيلم أرض وقرية درويش لتصورها له وتحكي عن ما حصل فيها ذات يوم.