أكّد الدكتور صهيب بن شيخ، خلال المحاضرة التي ألقاها مؤخّرا بمركز الإنتربولوجيا الاجتماعية والثقافية “الكراسك” بوهران، حول مسألة “الخطاب الإسلاموي بين التاريخ والثيولوجيا”، على وجود مسألة جوهرية يجب الرجوع إليها لفهم المنحى الذي ذهب إليه الخطاب الإسلاموي، ليس في الجزائر فحسب بل بكلّ الدول الإسلامية التي تعاني من مشكلة في ضبط المفاهيم، واتّسام الخطاب الديني باللاعقلانية وشمولية ما يحويه هذا الأخير، مما جعله يتأرجح بين مفهومين؛ هما “الله قال” و«الإسلام يريد”، ومما قوّض مسألة الاجتهاد في الإسلام وانفتاح الخطاب على الرأي والرأي المخالف رغم أنّ مسألة الاختلاف هي في الأصل مقبولة؛ كون “الاختلاف رحمة”. هذه المفاهيم الشمولية جعلت الخطاب الديني، حسبما ذهب إليه الدكتور، بعيدا كلّ البعد عن المنطق، وحجبت عن المتلقي معرفة جواهر التاريخ والحضارة الإسلامية لدى المتلقي الجزائري. ويضيف الدكتور أنّه يجب أن نعلم بأنّ هذا الخطاب المتطرّف والشمولي ليس قرآنا وليس مقدّسا أيضا، وأنّ مسألة البحث الأنثربولوجي والاجتماعي لا تتنافى مع الخطاب الديني ولا تتصادم معه. وقال إنّ الإسلام شرّع البحث، ولا مانع في أن يكون هو أيضا مادة بحثية في متناول العلماء المتخصصين في الشريعة والتاريخ، موضحا، في هذا السياق، أنّ البحث والتعمّق اللغوي في مسألة النصوص القرآنية، يجب أن تخضع لمعايير تمكّن من تبسيط الخطاب الديني وتعميق الفهم لدى المسلم من خلال الإلمام، وأخذ بعين الاعتبار التغيّر الزمني، وجعل نصوص الأحكام الشرعية تتوافق وتتماشى مع ذلك التغيّر، وتكون بذلك سهلة الاستقبال لدى الجيل الحالي. والإسلام يضيف المحاضر - “دين يشترك في أصوله مع الأديان السماوية الأخرى؛ لذا يجب التعمّق في تلك المعاني والمصطلحات الإبستمولوجية الموجودة في اللغات السامية القديمة، على غرار اللغة الآرامية والعبرية التي تنبع من مصدر واحد وفهم ما يجمع بين الديانات الثلاث. إنّ تفسير النصوص القرآنية لا يمكن لمعجم لغوي أن يفي أو يكون كافيا لشرحها - يشير الدكتور صهيب بن شيخ - لأنّ المعاني القرآنية بليغة وعميقة وتملي تعمّقا في التفسير وضبط المصطلح اللغوي، لكن التفسير حاليا يخضع لأحكام ما يراه المفسّر وتوجّهاته الفقهية وانتماءاته الإيديولوجية وحتى المذهبية في كثير من الأحيان، وهذا ما أفقد بعض معاجم التفسير القرآني مصداقيتها، وجعلها تخضع لخطابات “إسلاموية” أو أصولية متشدّدة، أنشأت التطرّف والغلو في فهم أصول الدين والأحكام الخاصة بالعبادات والمعاملات اليومية للفرد المسلم. وفي الأخير، خلص الدكتور صهيب إلى ضرورة الذهاب إلى تبسيط الخطاب الإسلامي أو الديني، وضبط مفاهيم التفسير والإلمام باللغة والمعاني من أجل إعطاء صورة مشرّفة لديننا الإسلامي، الذي هو دين الفطرة، أُوجد ليكون جامعا ليس بين المسلمين فحسب، بل بين سائر الشعوب والأمم.