لايزال بريق الكتب القديمة ينير ساحة البريد المركزي منذ سنة 2003، فرغم أن عدد من يقف أمام هذه الطاولات يبدو للوهلة الأولى قليلا، غير أن قاصدي هذا النوع من الكتب جد معتبر؛ حيث يباع في هذه الطاولات ما لا يباع في المكتبات!! "المساء” اقتربت من الباعة واستقصت بعض آراء المواطنين الذين قصدوا المكان لاقتناء كتب من ساحة البريد المركزي بالعاصمة، حيث التقينا حورية. م أستاذة في اللغة الإسبانية، أكدت لنا أنها واحدة من الأوفياء لهذا النوع من الكتب، قائلة: “أقصد هذه الساحة مرة واحدة كل أسبوع لأبحث عن كل ما يتعلق باللغة الإسبانية؛ سواء قواعدها أو طرق تعلمها، أو حتى الروايات بهذه اللغة؛ حيث أستعملها في التدريس وأعيرها لطلابي لكي يستفيدوا منها”. وأضافت: “في يومنا هذا لا نجد هذا النوع من الكتب في المكتبات الوطنية بهذه الأسعار، التي تُعد رمزية فقط”. وأكدت نسيمة: “قد نجد كنوزا في هذه الطاولات؛ فهي كتب نادرة، ومن الصعب العثور عليها خاصة العتيقة منها”. من جهة أخرى، أفاد ن. عيسى طالب في العلوم السياسية قائلا: “أنا أؤيد بيع الكتب هنا؛ فهي كنوز ثقافية، فكما يقول المثل: “أقرأ الكتاب ولو كان غبيا؛ فمن خلاله أتعلم معنى الغباء وكيف يفكر الأغبياء”. وأضاف: “إن ظاهرة بيع الكتب القديمة والمستعملة ظاهرة إيجابية خالصة، وكل ما تحتاج إليه هو تنظيم بيع تلك الكتب والإشراف عليها من الجهات المتخصصة؛ بمنع الكتب التي تمس العقيدة، والتي تروّج لثقافات منبوذة مثل: الشعوذة، التطرف، الجنس الخليع والكتب ذات الثقافة التي تروّج للكراهية والطائفية”. وفي حديث ذي صلة قال ب. عبد المؤمن بائع للكتب ممارس منذ 2008 صاحب مستوى ثقافي جيد، “إن الكثير من المواطنين شغوفون بالمطالعة وكسب المعارف؛ من خلال قراءة الكتب التي تُعتبر أفضل جليس في أوقات الفراغ؛ لملء العقول بما ينفع الفرد في حياته اليومية، إذ يهتم الكثيرون منهم بالبحث عن الكتب القديمة ذات القيمة العلمية الكبيرة، إلا أن مطالب هذه الشرائح تختلف؛ فكل فرد يبحث عن نوع معيَّن من الكتب؛ سواء كانت في اللغات أو في علم النفس أو في الروايات أو التاريخ”... وفيما يخص الروايات المطلوبة بكثرة من طرف المواطنين يقول عبد المؤمن: “هي الكتب الشهيرة ل “كويلو باولو”. وأضاف أن هناك شريحة أخرى من المجتمع تبحث عن مجلات ألعاب “السودوكو”؛ فهي مجلات مطلوبة كثيرا خاصة من طرف كبار السن. وهناك فئة أخرى وقوفها أمام هذه الطاولات لا يتعدى الفرجة التي يصنعها الفضول أو من باب تمضية الوقت فقط. فيما يخص طرق الحصول على الكتب وتوفيرها للمثقف الجزائري قال عبد المؤمن: “نجد أحيانا صعوبات في إيجاد هذه الكتب؛ فعندما يتقدم إلينا الزبائن نصبح نحن بدورنا زبائن، فنطلب منهم ما إذا كانت لديهم كتب قديمة يودّون بيعها لنشتريها، وهناك أيضا زبائن يشترون الكتب لمطالعتها، ثم يعيدون بيعها لنا خاصة الكتب العلمية والطبية”. وفي نفس السياق التقينا ببائع آخر س. محمد، الذي أخبرنا هو الآخر بأن تجارة الكتب القديمة رائجة، وتحظى بإقبال العديد من القرّاء؛ نظرا لغزارة المادة المعرفية فيها ولأسعارها البسيطة، وفي وقت أصبحنا نتفاجأ باختفاء المكتبات وغيابها على غرار “مكتبة العربي بن مهيدي”، مثال حي على ذلك، حيث تم إغلاقها، وأغلبية المكتبات تم تغيير نشاطها إلى “فاست فود” أو بيع الملابس، أما تلك الصامدة منها فتجد فيها صعوبة كبيرة للعثور على عناوين محددة، أو اتجاه المكتبات في الوقت الراهن إلى الاعتماد على الكتب المدرسية والتجارية مضمونة الربح. “وكنتيجة لغياب المكتبات ازدهرت تجارة الكتب المستعملة، وأصبحت المتنفس والملجأ لهواة المطالعة، ولهذا فنحن نسعى لتأمين هذه الخدمة للقارئ”.