يعكف أطراف العمل الثلاثة المشاركون في المؤتمر الأربعين للعمل العربي الذي انطلقت أشغاله صبيحة أمس بالجزائر، على دراسة قضايا دعم فرص التشغيل ومحاربة البطالة في الوطن العربي، لا سيما بعد التغيرات والتحولات التي طرأت على العديد من دول المنطقة خلال السنتين الأخيرتين، وأدّت إلى تراجع عوامل التنمية والاستثمار وإلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 20 مليون عاطل. وتشمل أشغال هذا المؤتمر الذي يشارك فيه ممثلون عن الهيئات الحكومة المعنية بالتشغيل في الوطن العربي، وكذا التنظيمات العمالية وأرباب العمل، على دراسة التقرير السنوي للمدير العام للمنظمة العربية للعمل حول التنمية المتوازنة وتطلعات الشباب، لتأمين فرص العمال اللائق، والذي يدعو محتواه كل الفاعلين في مجال التشغيل بالدول العربية، إلى العمل على تقليص الفجوة بين التنمية الاقتصادية والشأن الاجتماعي، لا سيما من خلال تشجيع الاستثمارات ومطابقة برامج التربية والتعليم والتكوين مع احتياجات سوق العمل. كما تتميز أشغال المؤتمر الأربعين، بعرض التجربة الجزائرية في مجال التأمين عن البطالة والتي شرعت الجزائر في اعتمادها منذ سنة 1994، للتكفل بفئات محددة من الشباب البطال، وتمكينه من استحداث مؤسساته الخاصة بدعم من الهيئات الحكومية، فضلا عن مناقشة مشروع إعداد اتفاقية عربية حول الحماية الاجتماعية للعاملين بالقطاع الاقتصادي غير المنظم، ومتابعة تنفيذ متطلبات العقد العربي للتشغيل الذي تم إقراره في مؤتمر المنامة بالبحرين في 2010. ولن تغفل أشغال مؤتمر الجزائر التي انتظمت في شكل ثلاث ورشات تخص كل منها طرفا من أطراف العمل الثلاث (حكومات، نقابات وأرباب العمل)، بحث مستقبل التشغيل في الدول العربية على ضوء التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها الوطن العربي في الفترة الأخيرة، بفعل ما أصبح يعرف بثورات الربيع العربي. وفي هذا الإطار، أبرز السيد أحمد محمد لقمان رئيس المنظمة العربية للعمل، أهمية هذا المؤتمر الذي تحتضنه الجزائر للمرة الثانية، من منطلق أن المواضيع المطروحة في جدول أعماله، سيسمح بتناول مختلف قضايا التشغيل ومكافحة البطالة والحد من الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي كلها -حسبه- مواضيع تحتل صدارة اهتمامات الحكومات العربية بعدما شهدته المنطقة من تغيرات وتحولات في العامين المنصرمين. واعتبر السيد لقمان واقع البطالة في المنطقة العربية لا يعكس أزمة طارئة بقدر ما هو محصلة لسياسات اقتصادية واجتماعية لم تحسن -حسبه- التعامل مع المتغيرات المحيطة، وأضحى فيها الاهتمام بالبعد الاجتماعي لا يتناسب في حجمه مع الخطاب الإعلامي، ولا يصل إلى مستوى البعد الأمني الذي تم منحه اهتماما أكبر. وفي حين، أشار، إلى أن الاحتجاجات التي عرفتها عدة دول عربية والتي كان دافعها المطالبة بالعدالة في توزيع ثمار التنمية، كشفت عمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية وأبعادها المختلفة وأبرزت مدى الاختلالات في مستويات التنمية، ودعا المدير العام للمنظمة العربية للعمل إلى النظر بتفاؤل إلى التحولات التي شهدتها بعض بلدان المنطقة العربية، "حتى تشهد ربيعا حقيقيا مزهرا يثمر نتائج طيبة ويعيد الأمان والاستقرار"، مؤكدا بأن ذلك لن يتأتى إلاّ بعودة الاستثمار وإعادة بعث عجلة الإنتاج، لاسيما في الدول التي تشهد نسب عالية من البطالة في أوساط الشباب. كما دعا المتحدث البلدان العربية إلى دعم القطاع الخاص، من خلال تبني سياسات وإجراءات تساعد على تنامي دوره على الصعيدين الوطني والقومي، ليقوم بالدور المنوط به في تحقيق التنمية ودعم التشغيل، مناشدا المنظمات العمالية العربية من جهتها، تطوير هياكلها تفاعلا مع التطورات التي تشهدها المنطقة. ومن جانبه، عرض رئيس المؤتمر وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، السيد الطيب لوح، في كلمته، الجهود التي تبذلها السلطات العمومية بالجزائر في مجال ترقية التشغيل ومحاربة البطالة، ولا سيما منها إرساء إجراءات تشجيع الاستثمار وتحسين برامج التكوين وآلية التأمين على البطالة، ومختلف الآليات الأخرى المتخصصة في دعم تشغيل الشباب، وتشجيع الراغبين في إنشاء مؤسساتهم المصغرة، فضلا عن المخطط الوطني لإدماج الشباب خريجي الجامعات الذي تم وضعه في سنة 2008. كما أبرز الوزير أهمية الإجراءات التي اتبعتها الجزائر في مجال تحديث وعصرنة منظومة الحماية الاجتماعية عبر تحسين أداء وتمويل منظومة الضمان الاجتماعي، وإدخال التكنولوجيات الحديثة في عملها ومنها اعتماد البطاقة الإلكترونية "الشفاء"، مشيرا في الأخير إلى الاهتمام الذي خصته أطراف العمل الثلاث للدعم الحوار والتشاور فيما بينها والذي توج بتوقيعها على العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي. وللإشارة، يشارك في أشغال المؤتمر العربي للعمل الذي أشرف على افتتاحها الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، وفود من 20 دولة عربية، فضلا عن ممثلين عن اتحادات دولية وإقليمية، من بينهم المدير العام للمنظمة الدولية للعمل، السيد غاي رايدر، الذي قدر في كلمته عدد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 200 مليون شخص. وتستمر أشغال اللقاء التي شهدت مساء أمس تكريم عددا من رواد العمل العربي، من بينها 8 ممثلين عن الحكومات و4 من أرباب العمل و5 من العمال، وكذا تكريم 3 أشخاص من منظمة العمل العربية إلى غاية يوم 22 أفريل الجاري.