يحتفل الإعلاميون الجزائريون اليوم بعيدهم العالمي، المصادف للثالث ماي من كل سنة، في ظل تحولات عميقة تشهدها البلاد بشكل عام وقطاع الإعلام بصفة خاصة، ومكاسب ثمينة حققها القطاع، بفعل تطبيق برنامج تعميق الإصلاحات السياسية وتعزيز المسار الديمقراطي ودعم التعددية الإعلامية، لاسيما من خلال رفع فعل التجريم عن الصحافة، وكذا إقرار فتح مجال السمعي البصري، الذي تجلت ثماره الأولى في بروز أولى القنوات التلفزيونية الخاصة، التي ساهمت بشكل كبير في توسيع مجال حرية التعبير في المجتمع بشكل غير مسبوق، حوّل النقاش بشأن الموضوع من المطالبة بالحريات إلى المطالبة بوضع ضوابط أكثر تضمن أخلقة المهنة. ففي مجال التشريع، يرى الكثير من المتتبعين لتطور الإعلام في الجزائر، بأن القطاع حقق مكاسب غير مسبوقة خلال السنتين الأخيرتين، مع التطبيق الفعلي للإجراءات التي أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه التاريخي في 15 أفريل 2011، والذي أعلن من خلاله عن برنامج تعميق الإصلاحات السياسية الذي وصل اليوم إلى محطته النهائية الكبرى المتمثلة في تعديل الدستور. وقد قطع هذا المسعى الإصلاحي، الذي يعد مجال تعزيز حرية التعبير والصحافة وتقوية دور الإعلام، أحد أبرز ركائزه، أشواطا معتبرة في الميدان، بعد أن تمت المصادقة على كافة القوانين الإصلاحية التي تضمنها البرنامج، وانطلاق لجنة الخبراء القانونيين في صياغة مشروع القانون التمهيدي المتضمن التعديل الدستوري، واستعداد وزارة الاتصال لإيداع مشروع القانون المرتبط بفتح المجال السمعي البصري، لتتأكد بالتالي نوايا السلطات العليا في البلاد في بعث مرحلة جديدة في حياة الجزائر، قائمة على مزيد من الحريات والحقوق، ومكرسة لديمقراطية حقيقية ومعززة وتعددية سياسية وإعلامية مكفولة لجميع فئات المجتمع الجزائري. وفي هذا الإطار، يجدر التذكير، بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل تعزيز حرية التعبير والصحافة في قلب برنامج الإصلاحات السياسية، سواء من خلال فتحه المجال أمام كل التنظيمات السياسية والمدنية في المجتمع للمشاركة، في إطار مشاورات واسعة في رسم البرنامج الإصلاحي بما فيه مشروع تعديل الدستور، أو من خلال إقراره لرفع حالة الطوارئ، ثم رفع التجريم عن جنحة الصحافة بتعديل قانون العقوبات، وإلغاء الأحكام التي كانت تنص على حبس الصحفي. وقد تبع هذا المكسب الجديد الذي رفع القيود عن رجال مهنة الصحافة دخول قانون الإعلام الجديد حيز التطبيق بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان في نهاية 2011، تمت بموجبه إعادة ترسيم الأطر القانونية والتنظيمية للمهنة، وتحديد دور الدولة في مساعدة الصحافة وضمان الحقوق الاجتماعية والمهنية لممارسي هذه المهنة، مع إلغاء جميع العقوبات الخاصة بالسجن التي تضمنها قانون الإعلام السابق الصادر في أفريل 1990 وتقليص عدد الجنح من 24 إلى 11 جنحة. كما أقرّ هذا القانون الجديد ولأول مرة في تاريخ الجزائر، فتح القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص، وهو المكسب التاريخي الذي تجلّت مظاهره بسرعة لافتة في بلادنا مع بروز عدد من القنوات التلفزيونية الفضائية الخاصة التي أنشئت من قبل جزائريين، وتحظى باهتمام المجتمع الجزائري، الذي وجد فيها منابر جديدة للتعبير عن آرائه وطرح انشغالاته، وهذا بالرغم من أن هذه المحطات التلفزيونية التي نالت ثلاث منها مؤخرا. اعتمادات لفتح مكاتب بالجزائر، لا زالت تبث برامجها من خارج الوطن، في انتظار صدور قانون السمعي البصري المقرر قريبا وتحديد دفتر الشروط الذي سيضبط عمل هذه الوسائل الإعلامية الثقيلة. وفضلا عن إجراءات تثمين أجور صحفيي القطاع العمومي واستمرار جهود تنظيم هذا القطاع وتحسين أدائه وتنمية تنافسيته، يرتقب أن يتعزز قطاع الإعلام في الجزائر في المستقبل القريب، بتدابير تنظيمية أخرى تكفل لرجالات المهنة حقوقهم المهنية والاجتماعية وتضبط أداءهم باحترافية أكبر، فبعد الشروع في تطبيق برنامج الدورات التكوينية الموجهة لفائدة الصحفيين والذي خصصت له الدولة غلافا ماليا معتبرا بلغ 400 مليون دينار. فبرسم قانون المالية 2012، يرتقب عن قريب تحقيق مكاسب إضافية في مجال دعم حرية الصحافة، تشمل إصدار القانون الأساسي وبطاقة الصحفي وقانون الإشهار الجديد، مع إنشاء سلطتين مستقلتين لضبط عمل الصحافة المكتوبة وقطاع السمعي البصري، وذلك في إطار الحرص على ضمان أخلقة مهنة الصحافة وترقية دورها الحقيقي في إعلام الرأي العام، والمساهمة في تقويم الحياة العامة وتقديم خدمة عمومية مميزة للمواطن، ومحاربة مختلف أشكال الفساد ومرافقة جهود التنمية الوطنية، لينخرط بالتالي قطاع الإعلام في الجزائر انخراطا تاما في مرحلة تجسيد مسعى الإصلاحات الهادف أساسا إلى دعم المسار الديمقراطي وإرساء دعائم دولة الحق والقانون. وحتى إن ظلت بعض الممارسات المتفشية في وسط المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية في بلادنا، تعيق التطور المطلوب للعمل الصحفي، بفعل الصعوبات التي لا زالت تعترض رجالات المهنة في الوصول إلى المعلومة والخبر، وذلك مسألة مرتبطة أحيانا بثقافة مجتمعنا، وأحيانا أخرى بسلوكات فردية، فإن الواقع العام لوضع الصحافة في الجزائر يبين بأن كافة المكاسب الثمينة التي حققها قطاع الإعلام في الفترة الأخيرة، جعلت الحديث عن حرية الصحافة، حديثا عقيما بعد أن انتقل الانشغال بالنسبة لنساء ورجال المهنة إلى مجالات أخرى مرتبطة بشكل أكبر بالحقوق المهنية والاجتماعية، وبأطر تنظيم وضبط العمل الإعلامي وفرض التزامه بالمبادئ والقيم العليا للمجتمع الجزائري. وإذا كان الانشغال الثاني المرتبط بالضوابط والقواعد الأخلاقية والذي يشكل أحد أبرز محاور المقترحات التي أكدت عليها الطبقة السياسية في إطار مشروع تعديل الدستور، ينتظر أن تتكفل به هيئات الضبط المقرر إنشاؤها قريبا، فإن الانشغال المطروح في مجال تعزيز الحقوق المهنية والاجتماعية ولاسيما بالنسبة للقطاع الخاص، لا يزال مرهونا بحاجة القطاع إلى تنظيم أكبر وإلى هيكلة واضحة تضمن لأهل المهنة الحماية اللازمة والدفاع عن الحقوق التي يكفلها لهم القانون، والمساهمة في إعادة تنظيم الممارسة الإعلامية وفق ما تمليه أخلاقيات المهنة، وبالتالي تحقيق المزيد من المكاسب لحرية الصحافة في الجزائر، بعد الإنجازات النوعية الثمينة التي حققها القطاع في السنوات الأخيرة والتي أخرجت الحديث عن حرية التعبير من معركة المطالبة برفع التضييق إلى الحديث عن ضرورة ضبط المهنة وتنظيمها.