ساقتني أحلامي البارحة إلى حديقة بورسعيد بالعاصمة، قبالة المسرح الوطني العتيق، يبدو أنني كنت مكلفا بمهمة ما، تفرقت أمامي الشوارع، وضاع مني عنوان المكان الذي كنت أقصده، وجدت نفسي في أزقة ترفرف فيها رزم الأوراق النقدية لكل العملات، تعبث بها أيادٍ تبدو في ظاهرها آدمية، وعندما تدنو من أصحابها، تتحول إلى ثعابين تلفّك من كل الجهات وتأخذ في مساومتك لشرائك، حاولت أن أهرب من هذه الطوام الزاحفة.. إنها محمية مفتوحة ترعاها وتحميها دور كثيرة تمنع عنها كل دخيل أو “عميل”، أغروني بمال كثير، خلت أنهم يساومون شقة أو فيلا كالتي اشتروها في أعالي العاصمة وأسفلها، بشكائر من تلك الرزم متعددة الجنسيات، رزم تمر عبر أنابيب عابرة لكل الحدود. لا يلتقطها الرادار مهما بلغت درجة تطوره ودقته.. تحوي خصائص زئبقية، وبإمكانها أن تتدفق من نبع وتأخذ مسارات والتواءات، ثم تعود إلى رأس النبع من جديد، هي لا تتيه، قيل إنها ذكية بدرجة العقل الذي صنعها.. تقدم مني شاب في مقتبل العمر، أنيق، رشيق يعبث بسلسلة ذهبية بيد، وباليد الأخرى يروّح برزمة نقود خضراء، أو بين الخضرة والزرقة، زينت بصور لشخصيات لها تاريخ، صنعت ذات عهد مجد بلدانها وخلدته.. سألني الشاب عن جنسية الصرف الذي أريده والمبلغ المراد تصريفه، وعن... أسئلة سريعة كثيرة لا أذكرها، لأنني لم أكن بصدد التصريف ولا شراء العملة، ولا... أنا كنت فيما أعتقد في مهمة ما، فلم هذا الحمام وهذه الأسئلة، أنا أجهل هذه السوق وروادها وقواعدها ومداخلها ومخارجها، أنا مواطن، وما شأن المواطن بهذه السوق وهذه الأسئلة المحرجة، ألح علي بالأسئلة، ولما هممت بإدخال يدي في جيبي لإخراج المنديل لتجفيف العرق، أو ربما لمسح درن تلك الأزقة الذي يكون قد لطخ جبيني، أدخل يده بدوره إلى “شكارة” كانت داخل سيارة سوداء خلفه: كم، كم.. مليون، مليار.... انبهرت، وكاد ما تبقى لدي من عقل يطير، وأحسست بحمى ممزوجة بالخجل والخوف وقليل من الصبر.. تراجعت إلى الوراء قليلا لأحتمي بأقرب جدار أو شجرة من أشجار جنينة باب عزون العتيقة، وتخلصت من كابوس يسمى “السكوار”، ولما أفقت، تحسست جيبي، وتذكرت أن الراتب القزم سوف يتأخر هذا الشهر.