أحيانا يأخذنا الحديث إلى أفق بعض الحكايات ولكنها مبعثرة مضطربة تتناقلها الألسن في عفويّة تامّة ودون تحضير مسبق ولا مراجعة، فنذيعها ليس تفكها ولكن لنثير تساؤلات ونتدبّر بعض الأحوال وعلى كل ما هيّ إلا ثرثرة على مائدة.. عيدكم مبروك... 01- أين يسكن رمضان ..؟ كنا حول مائدة العشاء نتجاذب أطراف الكلمات فسألت الطفلة أمّها..ماما أسألك سؤالا هل تجيبين عنه بصراحة؟ فابتسم الأب وقال: هو سؤال طويل عريض ملوّن قالت: أنا لم أسأل بعد.. قالت الأم: اسألي بنيّتي أنا مستمعة إليك؟ قالت: أين يسكن رمضان؟ ابتسم الأب وضحك العيّال وسخر البعض فقالت الأم: سؤال مهم..رمضان يسكن في قلوبنا..قالت: وكيف دخل إلى قلوبنا وهي متخفيّة داخل صدورنا؟ قال الأب: وكيف دخل الهواء والنور إلى الغرفة؟ رمضان يا بنيتي شهر من شهور السنة ولكنه مفضل على كل الشهور كونه شهر صيّام وقيّام نزل فيه القرآن قالت: ولذلك هو شهر كالنور نحبه من قلوبنا..قالت: ولماذا استأثرت بالجواب دون أن تترك لماما فرصة لتجيب؟ قال: لأنها كانت صائمة.. 02- التزم الصمت دلف باب البيت بقوّة، يشكو حظه النكد وأحواله المترديّة المعجونة بخيوط الإحباط، رفع صوته الواهن متسائلا لماذا لا أكون ثريّا منتفخ البطن مثل جاري؟ وأردف قائلا:من أين له هذا المال؟ كيف تحصّل عليه؟ ساد صمت ثقيل أرجاء البيت ولبث العيّال يتبادلون خائنة الأعين، أنهت الزوجة الصّمت بتنهده طويلة وفي عينيها استعطاف ورجاء جلبت إليه شوقا مشتهى وقالت:التزم الصّمت واقلع جيوبك من جميع ملابسك قال: والقفة الملعونة وفواتير الكهرباء والغاز وكبش العيد وأنت أيّها الفاتنة المفتونة قالت:الآن بدأ يتشكل لديك وعي الكبار وإحساس رهيب كوعي الأثرياء. 03- البلدية النموذجية زار مسؤول رفيع المستوى مزرعة فرفع مستقبلوه الرّايات الحمراء..ثارت ثائرته عندما رأى الثيران تخور هائجة وهي منبطحة كأنها تزرع الحقل غبارا والكلمات متلاطمة تكبر مثل الدهشة في نفوس حائرة يطويها الترقب والحذر، تريد أن يخرج الجواب من رحم الحقيقة المرة والكل يسأل: لماذا الثيران هائجة؟ أفزعه المشهد الذي اشرأبت له الأعناق وأحسّ لحظتها أن مستقبليه مهرة في التمثيل عليه وان السياسة لا تجدي مع هؤلاء.. تقدّم منه رئيس البلديّة متملقا والابتسامة تعلو محيّاه وقال بصوت خفيض نحن لم ندّخر جهدا حتى الثيران تستفز ولا تفعل شيئا، كل الكائنات صارت عندنا طائعة مطيعة يكفيك أنها إن لم تكن منبطحة تكون متفرجة..فأعلن المسؤول أن البلديّة نموذجيّة قال الرئيس:والكلمات تقطر خلسة لمن تسلم شهادات التقدير؟ قال الوزير: وكأنه ينادم الهمسات، أعرف أنك توضأت بغبار الثيران وتسلقت حوافرها، بطبيعة الحال الجائزة مناصفة بينكما أجرهن هى أتعابك وأتعاب ثيرانك فكلاكما هيجتما الأفكار وصنعتما الفرجة على أرض الواقع... 04- الصلاة على الأموات تاهت زوجته في الحج فبحث عنها والقلب يقطر حزنا وأسى ولما يئس اخبر أهله بأنها ماتت، تاه هو الآخر فبحثت عنه والعيون تزرع حزنا واعتبرته من الأموات..فجأة لما عاد الزوج إلى أرض الوطن وجدها قد وصلت قبله وهي في حالة حداد، فسألوه لماذا بلغت عن وفاة الزوجة دون أن تتأكد، قال سمعت الإمام يقول الصلاة على الأموات امرأة ورجل، ولما سألوها هي الأخرى قالت: سمعت الإمام يقول:الصلاة على الأموات رجل وامرأة فخلته هو الميّت،صاح فيها: رويدك لا تكذبين أنت الميّتة؟ قالت: مهلا هيجت الأشجان أنا لم أمت واستأنفت تعجبها وهي تقول: ها أنا ذا جئت بحقائبك وما تركت لك إلا الكفن تتوسّده وجئت تحمله.. أليس كذلك؟ ألست أنا الصادقة وأنت الكاذب؟ قال وكأن في فمه ماء:هو قصبة من حديد فلولاه ما عدت هذه اللعوب.. 05- من علمك الكذب؟ سال الطفل والده لماذا نغرس الأشجار ونعتني بها؟ قال: لنستظل تحتها..قال الطفل: أبي رأيتك تتغيّب عن العمل كثيرا وتنام تحت الشجرة، قال لكي لا يراني احد وإذا سألوا عني في البيت لم يجدوني، قال الطفل: هل تسمح لي أن استظل معك تحت الشجرة ؟ قال : احذر أن تراك أمّك..قال:وماذا أقول للمعلم ؟قال: قل له كنت اعتني بالشجيرات واطعم الطيور واسقيها وأساعد والدي ولم انتبه فضاع مني الوقت، تنهّد الطفل وقال: أبي من علمك الكذب...؟ 06- لا يستحقون الشفقة.. ذات ليلة صقيع باردة خرج أحد النواب من جلسة كلّت فيها يداه من التصفيق والتلفيق، مشى على ضفاف قلبه وهو يمتطي صهوة النبض والغضب خلفه يجري، هو غاضب التلفاز لم ينقل صورته وهو في حلبة النزال، انتبه فجأة فرأى قططا متشابكة على سطح منزله وأخرى تضبح، همس إلى نفسه يا سبحان الله العراك بين الكائنات متشابه فلا يختلف الإنسان على الحيوانات إلا في التصفيق ورفع الأصابع، اغتمّ متنهدا وأفزعه المشهد، دلف البيت متسائلا لماذا هذا العذاب؟ولماذا هذا التلاسن والاقتتال؟ فجأة خرّت القطط جميعها على رأسه فارتعب مصعوقا وانتفض صارخا.. انجلت المعركة على جراح وخدوش ورعب، مدّ يده يتلمس دما رطبا يتقاطر من جبينه فعانقت ركبتاه بطنه من الذعر..هرعت زوجته ولسانها يصدح بأدعيّة، أخذت تضمّد جراحه وهي تطمئنه: سلمت..هذا قضاء وقدر، رمقها بعينيه الجاحظتين وهو مضطرب: هذا عقاب من الله أن أشفقت على من لا يستحق الشفقة. 07- لعلهم يحلمون.. في اجتماع العرب باليهود أدار مسؤول يهودي ظهره على نظرائه شابكا يديه إلى الوراء ومن شبق الزجاجات الرشيقة خلف ستائر النافذة راح يبحث عن كلمات ماكرة تلهيهم وتشغلهم، قال له مستشاره: الذي فعلت سلوكا لا يليق قال: أراهم مبتهجين لعلهم يحلمون بالسلام.. ضحك المستشار وقال: أنت واهم،لا تشغل بالك بقهقهات تشبه التنديد، هم لم يفكروا في فلسطين، وفيما كانوا يفكرون؟ قال: ربما يفكرون في أساليب الموت المبطئ للغزّاويين،ولماذا لا يكون الموت سريعا؟ قال:من توجيهاتنا أن يكون الموت بطيئا ذلك يشغلهم ويفسد رأيهم ويمنحنا فرصا..آه.. حيّرتني فمتى كان لهم رأي؟ لماذا علت أصواتهم بالضحك؟ قال: تلقوا وعدا بالمكوث على الكراسي لا يزحزحهم مزحزح ما لم يغيبهم الموت، وهل هناك على جدول الأعمال مخربشات؟ الجداول معتقة في مطوياتها ومنذ سبع وستين، وما هي المطالب الجديدة؟ هناك تنازلات معتبرة..هذا مشجع على ابتلاع الكثير من الأحلام..ارتسمت على وجهه علامة السعادة وعاد إلى الطاولة منتشيا يهنئهم على محاربة الإرهاب وهو يضحك ملء حنجرته..آه..خلتكم تتوهّمون سلاما.. قال أحد الأعراب: دع عنك هذا.. أنت جائع تفضل الطعام جاهز والصيد ثمين والمراحيض مشرّعة..