لم تطأ قدماي يوما كلية الحقوق، ولا فكرت في الانتماء إليها، أو دراسة القانون بها، لأن موقفي من هذا المجال معروف محسوم، ولست مجبرا على الإفصاح به، غير أن الأحلام توقعني دوما في مواقف لا قبل لي بها، حيث رأيت نفسي مزهوا في آخر السنة الدراسية بكلية الحقوق بشهادة التخرج، متفوقا على زملائي في دفعتي، وللأمانة الأحلامية، أقر بأنني لم أكن أعلم ما نوع الشهادة التي تخرجت بها، غير أنني وجدت نفسي في الأحلام أزف بجبة سوداء إلى رتبة لم أكن لأحلم بها لولا الأحلام، وتقدمت خطوة نحو ذوي الجبب السوداء، غطت الجلابيب السود الفضاء المحيط بالمحكمة التي يبدو أنني سألتحق بها فور تأدية اليمين القانونية، انسحب سواد الجلابيب على المدينة، فاستحالت ظلاما حالكا، ولأن العين مهما بلغت درجة إبصارها لا تبصر إلا في النور، وبت لا أرى شيئا مما يدور حولي، نودي باسمي من مكان مجهول وما أظنه إلا آتيا من خلف ستار أو من وراء جدار، أسمع ولا أرى، الأصوات وحدها تتحاور دون صور للأجساد، أصوات بلا أجساد، أنعدمت الأجسام الملموسة، لا ظل لشيء على الإطلاق... تقدمت بخطى خائفة مترددة نحو الصوت المنادي: قف ما اسمك؟ ذكرت له اسمي كاملا، ولم أكن أعلم أن الناس في مواقف كهذه لا يذكرون أسماءهم الحقيقية أو يذكرون نصفها ويحتفظون بالنصف الآخر لموقف مشابه آخر، راح الصوت الجهوري يدوي، وبلغة قانونية حادة قال: إن القانون المؤرخ في 06 سبتمبر ألفين وأربعة، المادة 04 من القانون العضوي 11 /04 المتضمن القانون الأساسي للقضاة، يلزمك بأداء اليمين التالية، ردد بعدي: بسم الله الرحمان الرحيم، أقسم بالله العلي العظيم ألا أقوم بمهمتي بعناية وإخلاص، وألا أحكم وفقا لمبادئ الشريعة والمساواة، وألا أكتم سر المداولات، وألا أسلك في كل الظروف سلوك القاضي النزيه والوفي لمبادئ العدالة، والله على ما أقول شهيد. فرغت من أداء هذا اليمين مرددا خلف صدى الصوت المذكور، وخلعوا علي جبة ثانية أشد سواد من الأولى كدليل على قبولي نهائيا في صفوف الجلابيب السود. وما أن أفقت ورويت الحلم على أحد الثقاة، نصحني بالاستغفار والتوبة إلى الله والندم عما ارتكبت، فقلت له: هذا حلم، حلم فحسب، ألا تعلم أن النائم مرفوع عنه القلم حتى يستيقظ؟ فقال لي: هذا حلم يشبه الحقيقة، فاتق الشبهات، قم فتوضأ وعد إلى الله.