تبرز الإمكانيات الكبيرة المتاحة أمام الجزائر وتركيا لترقية الشراكة الاقتصادية ودعم الاستثمار والمبادلات التجارية، قدرة البلدين على إضفاء الطابع الاستراتيجي على علاقاتهما الثنائية المدعمة بعامل التاريخ المشترك والإرادة القوية التي جدد البلدان التأكيد عليها بمناسبة زيارة رئيس الوزراء التركي إلى الجزائر، الأمر الذي يلبي رغبة الدولتين في تحقيق التقارب والتكامل بينهما في مختلف المجالات، استجابة لرغبة كل طرف في الاستفادة من الآخر سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. فزيارة السيد رجب طيب أردوغان التي يمكن إدراجها ضمن مسار المتابعة الصارمة لقياديتي البلدين لمدى تنفيذ المشاريع المشتركة التي تم بعثها في إطار تنفيذ اتفاقية الصداقة والتعاون من أجل تطوير الحوار في الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية، التي وقعاها في 2006، جاءت لتضفي حركية أكبر على وتيرة الشراكة والاستثمارات، وتعطي دفعا قويا للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري الذي تضاعف بشكل لافت ومحسوس خلال العقد الاخير، وانتعشت أكثر منذ التوقيع على الاتفاقية المذكورة. ولم يخف مسؤولو البلدين في هذا الإطار رغبتهما في رفع مستوى هذه المبادلات المقدرة حاليا ب5 ملايير دولار، إيمانا بالطاقات الضخمة والإمكانيات الكبيرة التي يتوفران عليها والتي يمكن أن تجعل من محور الجزائر–انقرة نموذجا للشراكة الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، ولعل تحديد مستوى 10 ملايير دولار كهدف أساسي لبلوغه في حجم هذه المبادلات التجارية في المستقبل القريب، لم يعلن عنه الطرف التركي اعتباطا وإنما رغبة منه في منافسة أهم الشركاء الاستراتيجيين للجزائر وفي مقدمتهم فرنسا التي يقدر حجم مبادلاتها مع الجزائر في الفترة الراهنة ال10 ملايير دولار، كما تعكس هذه الغاية تطلع الطرف الجزائري إلى تنويع اقتصاده والاستفادة من خبرات كل شركائه الدوليين في تحريك آلة الانتاج بترقية الاستثمار ونقل التكنولوجيا ودعم التشغيل والتكوين، بما يمكن للجزائر من الاستجابة لكافة حاجياتها الوطنية وتحسين مكانتها الاقتصادية دوليا. فالجزائر وفقا لما أكده الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، تعمل في هذا الإطار بمنطق الشراكة ذات الفائدة المتبادلة مع كافة القوى الجهوية الكبرى الجديدة، وهي بذلك تعول كثيرا على شريكها التركي في دعم جهودها الكبرى لإنعاش وتطوير الاقتصاد الوطني، لاسيما من خلال دعوتها الشركاء إلى الإسهام في الاستراتيجيات الوطنية التي خططت لها لدعم عدد من القطاعات الحيوية التي تراهن عليها لتحريك الآلة الإنتاجية من جهة، وتلبية الحاجيات الوطنية على الصعيد الاجتماعي من جهة ثانية. ومن هنا، تبرز أهمية ونجاعة مشاريع الشراكة والاستثمار التركية بالجزائر، والتي تركزت بشكل كبير على مجالات بناء السكن والسدود والطرق وبعض الصناعات الغذائية، وتعززت في الفترة الأخيرة بمشاريع جديدة في قطاع النسيج الذي يعتبر من القطاعات التي تطمح الجزائر إلى تفعيلها وإضفاء الروح فيها من خلال رصد موارد معتبرة لها وكذا استقطاب الخبرات الدولية التي بإمكانها الإسهام في تحقيق هذه الغاية، مثلما هو الحال مع الخبرة التركية الممثلة في شركة "رينجلسان" التي وقعت أحد العقدين المبرمين مؤخرا بين البلدين في هذا القطاع. كما تتجلى أهمية الاستثمارات التركية بالجزائر والبالغة حاليا مستوى 1 مليار دولار، في مشروع مركب الحديد والصلب الذي أشرف رئيس الوزراء التركي، أمس، على إطلاقه بمنطقة بطيوة بولاية وهران، وهو مشروع استراتيجي تقوده المؤسسة التركية "توسياني" ويعتبر من اكبر الاستثمارات التركية في الخارج، حيث تفوق تكلفته الاستثمارية 750 مليون دولار، وسيعمل على تقليص حجم الواردات الجزائرية من مادة الحديد مع بداية سنة 2015، حين سيشرع في إنتاج 700 ألف طن من الحديد والصفائح المعدنية. على صعيد آخر، سمحت زيارة رئيس الجهاز التنفيذي التركي إلى الجزائر بتأكيد إصرار البلدين على دعم تعاونهما في المجال الأمني والعسكري، والذي تعزز في شهر ماي المنصرم باتفاقية التعاون التي أبرمها البلدان، مع التأكيد على أهمية التشاور السياسي في القضايا الإقليمية والدولية المطروحة، وخاصة في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة العربية ومنطقة الساحل. وفيما برزت الحاجة الملحة للطرف التركي لكسب تأييد الجزائر في دعم الحوار القائم حول هذه المسائل، ولاسيما ما تعلق بالقضية السورية، بدا جليا من خلال خطاب أردوغان أمام أعضاء المجلس الشعبي الوطني بعض التباين في موقفي البلدين حول هذه المسألة، على اعتبار أن الجزائر التي تؤمن بحق الشعوب في التحول الديمقراطي، لا يمكنها أن تحيد عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتدعو دوما إلى الحلول السلمية للأزمات المطروحة بعيدا عن روح الانتقام والفوضى. غير أن هذا الاختلاف في الرؤى لم يمنع رئيس الوزراء التركي من الاعتراف والإشادة بالدور الريادي للجزائر في تسوية النزاعات والمشاكل المطروحة في دول الجوار وخاصة تلك التي شهدت ثورات من أجل الديمقراطية، منوها في نفس السياق بموقفها الداعم لوحدة واستقرار جمهورية مالي، وهو الموقف الذي جدد المسؤول التركي تأيده ودعمه له بشكل كامل. وبين إرادة البلدين في دعم تشاورهما السياسي وتعاونهما الاقتصادي، برز تطلعهما أيضا إلى ترقية التقارب بين الشعبين من خلال رفع كافة العراقيل الإدارية التي تعترض حركة تنقل المواطنين بين البلدين، ودعم إمكانيات ووسائل هذه الحركة، حيث جاءت في هذا السياق دعوة رئيس الوزراء التركي إلى ضرورة إلغاء العمل بتأشيرة السفر بين الدولتين، وبحثه مع الوزير الأول عبد المالك سلال مسألة رفع عدد الرحلات الجوية اليومية بين مدن البلدين، كما لا يخرج عن هذا الإطار أيضا الاتفاق المبدئي الذي تم الإعلان عنه بمناسبة منتدى رجال أعمال البلدين، والمتضمن العمل سويا على إنشاء منطقة للتبادل الحر تزيد من حركية المبادلات بين الجزائر وتركيا.