رافع رئيس الوزراء التركي، السيد رجب طيب أردوغان، أمس، لعلاقات أكثر قوة ومتانة بين الجزائر وتركيا، ودعا لذلك إلى استغلال كافة الإمكانيات المتاحة بين البلدين لتطوير تعاونهما الاقتصادي وتعزيز التقارب بين الشعبين، مؤكدا في هذا الصدد ضرورة التفكير في إزالة تأشيرة السفر المطبقة بين الدولتين، والعمل على ترقية علاقات التضامن والصداقة بينهما. فبعد أن أبرز العلاقات السياسية المتميزة التي تربط البلدين، أكد السيد أردوغان في خطاب ألقاه أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، أن الجزائر وتركيا تحذوهما إرادة قوية للرقي بعلاقاتهما الاقتصادية إلى مكانة أفضل مما هي عليه اليوم. مشيرا إلى أنه لمس في الجزائر تطورا كبيرا منذ الزيارة الأولى التي قام بها في 2006. وأكد في نفس السياق بأن الجزائر التي تعتبر بلدا مهما بالنسبة لتركيا، تتميز بثرائها بالموارد الطبيعية والبشرية التي تمكنها من تبوإ المكانة اللائقة لها في مصاف الدول المتقدمة. وفي حين سجل التحسن الكبير الذي عرفته العلاقات الاقتصادية بين البلدين في الفترة الأخيرة، قائلا في هذا الصدد ”لقد تضاعف حجم المبادلات التجارية مرتين منذ زيارتي الاولى إلى الجزائر في 2006”، اعتبر رئيس الوزراء التركي أن هذا التحسن لا يعكس الطاقات والقدرات الحقيقية المتاحة أمام البلدين لتطوير علاقاتهما إلى المستوى المطلوب، مؤكدا في هذا الخصوص قدرة البلدين على تحقيق الهدف الذي حدده مسؤولو البلدين والمتمثل في الرفع من حجم مبادلاتهما التجارية من نحو 5 ملايير دولار حاليا إلى 10 ملايير دولار في أقرب الآجال. ودعا بالمناسبة المتعاملين الاقتصاديين في البلدين إلى الإسهام في تجسيد هذا الهدف، معربا عن استعداد القيادتين السياسيتين للبلدين لإزالة كافة العراقيل التي تعترض تطور علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية بين الدولتين. كما دعا المسؤول التركي بصفة خاصة رجال الأعمال الاتراك إلى المساهمة في المشاريع الإنمائية في الجزائر، مشيدا في هذا الصدد بالاستثمارات التي باشرتها مؤسستان تركيتان في قطاع النسيج بالجزائر وكذا بالمشروع الاستثماري الضخم الذي يشرف اليوم على إطلاقه بولاية وهران، وتنفذه مؤسسة ”توسيالي” في مجال صناعة الحديد والصلب والذي تصل قيمته الإجمالية إلى 750 مليون دولار. وبعد أن ذكر باتفاق الجزائر وتركيا على تمديد عقد تموين تركيا بالغاز الطبيعي الجزائري ب10 سنوات إضافية بداية من 2014، أكد السيد أردوغان بأن كل هذه المشاريع المشتركة يمكنها أن ترفع من مستوى العلاقات بين البلدين إلى مكانة أفضل وتسهم في تحقيق التطور الاقتصادي في الجزائر، مستعرضا بالمناسبة التجربة الناجحة لبلاده والتي جعلت منها اليوم القوة الاقتصادية السادسة في أوروبا والسادسة عشرة في العالم. وفي سياق حديثه عن العمق التاريخي للعلاقات الجزائرية التركية، نوه رئيس الوزراء التركي بالنجاحات التاريخية التي عرفتها الجزائر في العديد من المحطات التي سجلها التاريخ والتي حظيت بالدعم الكامل لتركيا، وأشار في هذا الإطار إلى أن النجاح الأول الذي حققته الجزائر كان نصرها على الاستعمار وتحقيقها للاستقلال، فيما تحقق لها النجاح الثاني عند ترسيخها للوحدة الوطنية من خلال ميثاق المصالحة الوطنية، مبرزا الفضل الكبير لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في هذا النجاح، متنميا له بالمناسبة ”الشفاء والعافية في أقرب الأجال”. وفيما ألح على أهمية تبادل الزيارات والخبرات بين الجزائريين والاتراك لتحسين طبيعة العلاقات بين الشعبين، أعرب السيد أردوغان عن استعداد بلده لبعث التشاور مع المسؤولين الجزائريين حول كافة المسائل التي من شأنها ترقية التواصل والتقارب بين البلدين، وقال في هذا الصدد ”أنتم إخواننا ولا بد أن نتضامن بشكل أكبر لأن علاقاتنا تتجاوز الصداقة”، مضيفا بأنه ”يجب إزالة العمل بالتأشيرة بيننا ورفع كل العراقيل والحدود بين شعبينا”. وقدر في هذا الإطار بأن تركيا التي أزالت التأشيرة مع 70 دولة يمكنها أن تسلك نفس المنحى مع الجزائر، معتبرا بأنه إذا ما تحققت هذه الغاية فإنها ستعطي قفزة نوعية للسياحة بين البلدين. كما أشار في نفس السياق إلى أهمية ترقية المبادلات بين المدن الجزائرية والتركية، من خلال تكثيف الرحلات الجوية بينها، ورفع عدد الرحلات التي تقوم بها الشركة التركية للطيران من رحلة يومية واحدة إلى 3 رحلات في اليوم. من جانب آخر، أبرز رئيس الوزراء التركي توافق الموقفين الجزائري والتركي حول مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأكد إرادتهما على تعزيز تعاونهما في مجال الامن والدفاع، مشيرا إلى أهمية الاتفاقية التي وقعها البلدان في هذا المجال في 7 ماي الماضي والتي تشكل حسبه أرضية ملائمة وعنصرا مكملا للتعاون العسكري والأمني الموجود بينهما. وفي حين أشار إلى أن العالم بشكل عام والمنطقة العربية والاسلامية بصفة خاصة تمر بمرحلة عصيبة في الفترة الراهنة، أكد السيد أردوغان بأن الجزائر تلعب دورا رياديا في مسارات حل المشاكل التي تعاني منها الكثير من دول الجوار، موضحا بأن الجزائر وتركيا تجمعهما علاقات سياسية متميزة في هذا المجال. وأعرب المسؤول التركي عن قناعته الشخصية بأن الديمقراطية تشكل أنجع طريق إلى السلام، وتوقع أن تتجاوز الدول التي شهدت ثورات من أجل الديمقراطية مشاكلها الحالية، مؤكدا دعم بلاده لكل المبادرات الدولية لحل المشاكل والأزمات المطروحة في العالم وفي منطقة الشرق الاوسط خصوصا على أساس عادل. كما أكد دعمه للشعب السوري ”ومطلبه في تحقيق التحول الديمقراطي”، وأشار إلى أنه ”من واجب المجتمع الدولي تأييد هذا المطلب”. وحيا أردوغان في الأخير الجزائر على موقفها الداعم لوحدة مالي واستقراره، مشيرا إلى أن موقفها هذا يلتقي مع الموقف التركي الذي يعتبر أيضا بأن حل مشاكل دول الساحل لا يمكن أن يتم إلا بواسطة سكان هذه الدول ذاتهم. من جانبه، اعتبر رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد محمد العربي ولد خليفة، في كلمته الترحيبية بالضيف التركي بأن الظرف الإقليمي والدولي الذي يتميز بالتحولات التي تشهدها بعض بلدان المنطقة وما تواجهه من تحديات أمنية ورهانات اقتصادية، يدفع البلدين إلى تعميق التشاور على جميع المستويات والبحث عن سبل تطوير علاقاتهما وتعزيزها أكثر، وأكد في نفس السياق ضرورة العمل على توثيق هذه العلاقات الممتدة جذورها في عمق التاريخ للاستجابة لتطلعات مواطني البلدين، مبرزة التطور الكبير الذي عرفته العلاقات الثنائية بين الجزائر وتركيا بفصل الإرادة القوية المعبر عنها من قبل قياديتيهما، والتي توجت -حسبه- بإبرام معاهدة الصداقة والتعاون بينهما في ماي 2006، ”لتكون تركيا بذلك البلد الوحيد خارج القوس اللاتيني المجاور الذي تبرم معه الجزائر هذا النوع من الاتفاقيات”. للإشارة، فإن زيارة رئيس الوزراء التركي إلى الجزائر التي تندرج في إطار ترقية الحوار السياسي والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، تتواصل اليوم في يومها الثاني، حيث يرتقب أن يحظى المسؤول التركي صبيحة اليوم بتكريم خاص بجامعة الجزائر، قبل أن يتنقل إلى ولاية وهران لزيارة المركب الغازي لأرزيو وإطلاق مشروع مركب الحديد والصلب الذي تشرف على إنجازه الشركة التركية ”توسيالي” بمنطقة بطيوة.