أحيت مدينة مفتاح الواقعة شمال شرق ولاية البليدة أمس الأحد، الذكرى الخامسة والخمسين لاستشهاد المجاهد البطل السعيد كحشوش المدعو”سي مفتاح”، بحضور السلطات المدنية والعسكرية ورفاق الشهيد في السلاح وبعض أقاربه ومحبّيه في المنطقة. واحتضنت قاعة المحاضرات بمقر بلدية مفتاح، فعاليات الاحتفال بذكرى استشهاد الرجل يوم 14 جويلية 1958، حيث نظمت في هذا الإطار بمبادرة من جمعية مشعل الشهيد، وقفة عرفان تخللتها شهادات تاريخية عن حياة هذا الشهيد، الذي اختير اسمه لمدينة (مفتاح) التي كانت تسمى إبان الحقبة الاستعمارية “ريفي”. وشارك في تنشيط هذه الوقفة، رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية مفتاح، السيد عبد الرحمان بن دحمان، وبعض المجاهدين الذين شاركوا الشهيد ويلات الحرب وتقاسموا معه معارك السلاح بالمنطقة. وأثنى السيّد بن دحمان في هذا الإطار، على المشوار البطولي المشرّف الذي خاضه الشهيد سي مفتاح، الذي كان متشبعا بالروح الوطنية ونبذه للاستعمار والاستبداد، داعيا شباب المدينة الذين حضروا بقوة في هذه المناسبة، إلى الاستلهام من السيرة التاريخية العطرة لهذا البطل، الذي دوّن اسمه بأحرف من ذهب في قائمة الشهداء الأبرار الذين ضحّوا بالنفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر. كما نوّه رئيس جمعية مشعل الشهيد، السيد محمد عبّاد في تدخّل له بالبطولات التي كان يصنعها الشهيد سي مفتاح في مختلف المعارك والكمائن ضد العدو الفرنسي، مذّكرا بخصاله الحميدة وتواضعه الكبير مع رفاق دربه في السلاح، وهو ما وجده في الأبحاث التي أجراها حول حياة الرجل على حد قوله، مجددا عزمه الشخصي وعزم جمعية مشعل الشهيد على مواصلة الجهود والبحث عن السيرة التاريخية لشهداء ثورة نوفمبر 1954 المجيدة. ومن جهة أخرى، كانت هذه المناسبة فرصة هامة لعرض تقديم بعض الشهادات التاريخية الحيّة حول الحياة البطولية للشهيد كحشوش السعيد (سي مفتاح) وتعامله مع رفاقه المجاهدين، وحرصه على التشاور والاستماع لمختلف الآراء والأفكار وعدم الانفراد بالرأي، لاسيما في المسائل الثورية الهامة. وقدم بعض المجاهدين كمحمد قصّار ومحمد درعي المدعو”التيرقال” بعض الشهادات الحيّة عن مسيرة الشهيد، لاسيما سعيه الكبير لجمع الأسلحة والذخيرة وإعداد المنشورات التحريضية ضد الاستعمار الفرنسي، مذكران بانضمامه المبكّر لصفوف الحركة الوطنية قبل اندلاع الثورة. الأمر الذي جعله فيما بعد مسؤولا عن مختلف العمليات العسكرية التي قادها ضد العدو الفرنسي. وفي نفس السياق، بادرت السلطات المدنية والعسكرية والحركة الجمعوية بمدينة مفتاح بوضع إكليل من الزهور وقراءة فاتحة الكتاب على النصب التذكاري المخلّد للشهيد، الذي يشهد أشغال إعادة ترميم بادرت بها البلدية في إطار إعادة الاعتبار لشهداء الثورة، إلى جانب مقبرة الشهداء التي تشهد هي الأخرى أشغال تهيئة. كما تم تكريم عدة مجاهدين وأرامل الشهداء بهذه المناسبة، التي تندرج في إطار الاحتفالات بالذكرى ال50 لاسترجاع السيادة الوطنية. وللإشارة، يعد الشهيد السعيد كحشوش المدعو سي مفتاح –لتصدره جنوده قي العلميات العسكرية ضد الاستعمار-من مواليد مدينة مفتاح (ريفي سابقا) في 02 أفريل 1931، ترعرع وسط أسرة متواضعة تمتهن الفلاحة، حفظ القرآن بمدرسة جمعية العلماء المسلمين، وكان يتردد على خطب رجال الفكر والسياسة في ذلك الوقت، أمثال الشيخ البشير الابراهيمي وأحمد توفيق المدني والعربي التبسي، ماجعله يتشبع بفهم واقع الجزائر في تلك الفترة. وكان الشهيد على اتصال سري مع أعضاء في الحركة الوطنية أمثال سي عمر ليكتشف أمره من قبل الدرك الفرنسي عام 17 جوان 1955 حيث تم اعتقاله بأحد مساجد مدينة مفتاح ليتمكّن بعدها من الفرار. وزادت هذه الحادثة حماسة وشجاعة في قلب الشهيد، الأمر الذي دفعه للالتحاق بصفوف المجاهدين، حيث بيّن شجاعة كبيرة في الميدان خاصة العمليات العسكرية التي كان يقوم بها ضد العدو. كما تقلّد الرجل عد مناصب منها نائب مسؤول القس السياسي والعسكري للقسم الثالث بالناحية الثانية للمنطثة الأولى (الولاية الرابعة)، لتسند له فيما بعد المسؤولية السياسية والعسكرية للقسم الثالث. ومن بين أهم المعارك التي قادها الشهيد سي مفتاح، الهجوم على مركز الدرك الفرنسي لمدينة مفتاح عام 1956، ونصب كمين لدورية عسكرية جنوبالمدينة غنم فيها جيش التحرير أسلحة وذخيرة حربية مختلفة، كما هاجم مركز “تاشت” للقوات الفرنسية لبلدية الأربعاء والاستيلاء على ذخيرة وعتاد حربي، إلى جانب نصب كمين لدورية عسكرية بالحمريات قرب المعدن بتراب مدينة مفتاح، والهجوم على المركز الاجتماعي السياسي (لاصاص) عام 1957. وسقط الشهيد سي مفتاح في ميدان الشرف يوم 14 جويلية 1958، بعد تبادل كثيف لإطلاق النار بينه وبين أحد الجنود الفرنسيين بالمركز المذكور، ليباغت بطلقات نارية من الخلف، لفظ على إثرها أنفاسه الأخيرة. واحتفظت السلطات الفرنسية برفاة الشهيد، ليعاد دفنها عام 1979 بمقبرة الشهداء بمفتاح، بجانب رفاقه في السلاح.