من المنتظر أن يتم إسدال الستار على معرض الصناعة التقليدية المقام بساحة البريد المركزي، بحر الأسبوع الجاري، هذه التظاهرة كان من المقرر أن تنتهي بداية سبتمبر الجاري وقبيل العودة للمدارس، إلا أن النجاح الكبير الذي عرفته جعل القائمين عليها يمددون في عمرها، في الوقت الذي تمنى فيه العارضون دوامها على مدار السنة. تحولت ساحة البريد المركزي، منذ أزيد من شهر، إلى فضاء حر للصناعة التقليدية، وهذا بعدما ضمت إليها أزيد من 20 خيمة، تضم مختلف الحرف اليدوية والصناعات التقليدية تعود لحرفيين مشاركين من 16 ولاية. فلم تكتف هذه الساحة بكونها ملتقى لباعة الكتب، وهو ما أصبح “تقليدا” اعتدنا رؤيته منذ سنوات، بل أضحت اليوم تؤم إليها خيم الصناعة التقليدية التي أعطت للساحة بعدا جماليا آخر. وكأنه تم تقسيم الساحة بين باعة الكتب الذين “استوطنوا” بالجهة السفلى للبريد المركزي، وبين حرفيي الصناعة التقليدية الذين وجدوا في الشارع الرئيسي للبريد “سوقا” على الهواء الطلق مكنتهم من تصريف بضاعة تكدست لأشهر، حسب شهادات بعضهم. وما ساعد في نجاح التظاهرة أكثر هو التوافد الكبير للراجلين على أجزاء الساحة المركزية، وهو ما اعتبره الحرفي في الحلي التقليدية “كمال مدور” العامل الأول في إنجاح المعرض، الذي شهد إقبالا قياسيا بعد رمضان المبارك “خاصة وأن هذه الساحة رئيسية ويتوافد عليها آلاف المواطنين يوميا عند حلولهم بالعاصمة، ما يجعلها بمثابة السوق الذهبية لنا، فمثلا أنا شاركت في عدة صالونات بكامل ولايات الوطن، ولكن معرض ساحة البريد المركزي يضم لوحده زوارا من الولايات ال48، كما أنها ساحة دائما حية ليلا ونهارا ومشاركتنا بهذا المعرض الذي يمتد الى الثانية صباحا من كل يوم، جعلنا نحقق ربحا جيدا، خاصة وأن التنظيم كان رائعا ويليق بصورة العاصمة، صحيح أن وتيرة الإقبال انخفضت كثيرا مع الدخول المدرسي ولكن هذا لا يمنع من أننا راضون تماما عما حققناه بمشاركتنا هذه” يقول كمال. من جهته، اعتبر الحرفي في صناعة الحلويات التقليدية “عمر عتصامنية” المشارك من ولاية غرداية، أن هذا المعرض أصبح مع مرور الأيام والأسابيع روتينا يوميا ولكنه أتى بثماره. يقول: “لقد ارتحلنا بين أجزاء الساحة المركزية تبعا لإقامة تظاهرات رياضية وثقافية أخرى، ولكن هذا لم يمنع من أن معرضنا ناجح 100 بالمائة، فالحرفي بعد أن يصنع شيئا بيديه ويتعب فيه يفكر في تسويقه وتحقيق ربح مادي من ورائه، ومثل هذه التظاهرة كانت مثمرة للغاية بالنسبة لنا، حتى أن بعض المواطنين يسألوننا عن المكان الذي سنحط فيه رحالنا بعد رحيلنا من هنا، ولكننا لا نتمكن من الإجابة لان مثل هذه التظاهرات مربوطة بالموسم الصيفي تحديدا”. وكشف ذات الحرفي أن من بين الأهداف الأخرى للمعرض تبادل الخبرات بين الحرفيين أنفسهم، وهو ما حدث معه فعلا، كونه يشارك بجناحه الذي يعرض فيه حلويات تقليدية على غرار الجوزية والحلقومة وحلوى السميد وغيرها، وهو يعرض بعضها في “حلة” جالبة للنظر، ونقصد بها التغليف، جعل “جاره” صاحب جناح بيع العسل ومنتوجاته يستفيد من خبرة عمر في التغليف ويفكر في عرض منتوجات العسل لاحقا بتغليف جزائري رفيع وهو ما سيساهم لا محالة في تحقيق مردود احسن، بالمقابل يكشف عمر أنه هو الآخر يفكر في استخدام بعض المعطرات المستخلصة من منتوجات العسل في “تطعيم” الحلويات التقليدية التي يصنعها، وبالتالي التجديد في صناعته وهو المطلوب في الصناعة دائما. من جهته، أوضح الحرفي في صناعة اللباس التقليدي محمد دحمان أن الهدف من هذه التظاهرة هو الحفاظ على المنتوج التقليدي، يقول “نحن نسعى لتعريف الناس بأنه لدينا صناعة نسيجية وطنية والأسعار منخفضة لأن المنتوج محلي الصنع، ونعرض تشكيلة واسعة من اللباس التقليدي لكل الشرائح العمرية وللجنسين، وهي مصنوعة خاصة من الشاش المعروف محليا ومطرزة بأشكال من عمق الأصالة الجزائرية، وأؤكد أن مشاركتي في هذا المعرض ليست لتحقيق ربح مادي لأنني أبيع هذه المعروضات بدكان تملكه العائلة وتداولت عليه أجيال وعلامتنا معروفة، وإنما أشارك هنا لتعريف الناس بأن للجزائر صناعة محلية وبمواصفات ذات جودة عالية، تنافس منتوجات تستورد من دول المغرب العربي بنفس التصنيع تقريبا ما يجعل المواطن الجزائري يعتقد أن كل ما يروج بالسوق مستورد أو ان ما يستورد هو احسن وهذا خطأ”. أما الحرفي سيد علي المختص في فن التزيين بالورود بكل أنواعه، فإنه أبدى تأسفه لاختتام هذه التظاهرة “فهي التي بعثت في نفسي حب الإبداع أكثر في حرفتي، فالإقبال الكبير للناس على التحف والهدايا المصنوعة يدويا والإطراء الذي تلقيته من الزبائن سواء من المواطنين أو من المهاجرين، يجعلني اليوم آسفا على انتهاء هذا التلاقي الرائع بيننا كحرفيين وبين المواطنين كزبائن وحتى كزوار يقفون قرب خيمنا للاستمتاع أحيانا والتقاط صور تذكارية أحيانا أخرى، هذا الاحتكاك نفتقده باقي أيام السنة وحبذا لو تفكر السلطات المعنية في تثبيت هذا المعرض بساحة البريد المركزي طوال السنة حتى وإن كان ذلك باقتسام جزء من الساحة بين الحرفيين أسبوعا بأسبوع”. من جانبهم، أبدى بعض المواطنين استحسانهم لما تم عرضه طوال أزيد من شهر، وقالت أم لينا التي التقتها “المساء” وهي تشتري تحفا نحاسية الصنع من ذات المعرض، أنها ترى الصناعات التقليدية بمثابة إحياء للتراث الجزائري، وتثمن تنظيم مثل هذه التظاهرات بغرض الحفاظ على هذه الصناعات من الاندثار، وتكشف انها تراقب تنظيم مثل هذه التظاهرات بين الفينة والأخرى لتتمكن من اقتناء تحف فنية يدوية، خاصة وأنها عاملة ولا تتمكن من قصد دكاكين الحرفيين هنا وهناك لذات الغرض. جدير بالذكر أن معرض الصناعات التقليدية الذي احتضنته ساحة البريد المركزي جاء ضمن تطبيق لبرنامج “الجزائر لا تنام” قصد التعريف بالمنتوج الوطني والحفاظ على التراث الجزائري والحرف التقليدية. وقد اختير للتظاهرة شعار “تراثنا فخر لنا”، ونظم من طرف فدرالية الحرفيين والصناعات التقليدية بالتنسيق مع المجلس الشعبي البلدي لبلدية الجزائر الوسطى، بمشاركة حرفيين من مختلف الولايات منها أدرار، بشار، بومرداس، الجلفة، غرداية، تيزي وزو، المسيلةوالجزائر. وحملت التظاهرة هدفا أسمى وهو إعطاء مزيد من الاعتبار للصناعة التقليدية.