يحتضن مركز التسلية العلمية مصطفى كاتب بالعاصمة، معرضا تشكيليا للفنانة سامية مرداسي، يختصر مشوار هذه المبدعة المولعة بالألوان والأشكال والخطوط، والتي توظفها أحسن توظيف لعرض الراهن وإعادة تشكيل الماضي بأسلوب ساحر وهادئ. كعادتها، تلتزم هذه الفنانة الرقيقة بموضوع الطفولة، خاصة تلك المحرومة من حقوقها كحقها في العلاج والتعليم والحياة الكريمة عموما؛ إذ خصصت لوحتين، الأولى لطفل إفريقي فقير عار، تحمل تقاسيم وجهه حزنا لا يوصف، واللوحة الأخرى خصصتها لطفل يتأمل بحسرة من خلال قضبان سلالم. طبعا فإن البؤس ليس هو الغالب في المعرض، حيث يشاهد الجمهور بجلاء أنوار الأمل تشع خاصة في لوحة “في وجه النور”، حيث تفتح بوابة من نور؛ وكأنها طريق نحو المستقبل المشرق. تكاد تكون المنمنمات ضيف شرف في هذا المعرض، إذ خصصت لها الفنانة حيّزا مهمّا، تعكس كلها الماضي بما يمثله من عادات وتقاليد وقيم وجمال إحدى تلك اللوحات، تبرز المرأة العاصمية الأصيلة، مستلقية بكبرياء وسط ديكور بيتها الأنيق. باللوحة مربعات كبيرة تمتد حتى الإطار، كلها ذات زخرفة عاصمية إسلامية يغلب عليها الزهر والألوان التقليدية، كالأزرق المخضر والوردي بكل تدرجاته القاتمة والذهبي. لوحات أخرى في أسلوب المنمنمات، منها لوحة “رمضان”، التي تُبرز سيدة بلباسها التقليدي العاصمي، تحتفل في إحدى السهرات الرمضانية، تحيطها في اللوحة أطر في أسلوب المنمنمات تشبه الحلي، بينما أنجزت لوحة أخرى بتقنية النحاس، أبرزت المنمنمات كتحفة تاريخية ثمينة. وظّفت الفنانة تراث الأرابيسك في الأسلوب التجريدي، وذلك عبر العديد من اللوحات، علما أن ما يميزها هو تداخل الألوان في شكل أمواج مختلفة الاتجاهات، وأحيانا في شكل خطوط أو حلقات مع إعطاء الأولوية دوما للألوان الداكنة، خاصة الأزرق منها. في لوحات تجريدية أخرى، تظهر الألوان الفاتحة والألوان الأنثوية، التي تعكس الأمل، منها “الربيع” الذي يرمي ببذوره الوردية والبنفسجية في المحيط، وكأنه يعلن بداية حياة جديدة تتشكل. لوحات أخرى بنكهة الحلم كلوحة “ألف ليلة وليلة”، التي تطوف في قصورها ليلا الحكاية. هناك أيضا “الرقصة الحالمة”، وهي تصور رقصة امرأتين في فضاء حالم تسوده الألوان والأشكال اللامتناهية. لوحات ولوحات تتوالى تُبرز مدى البحث وتقديم الجديد، كتلك التي توظف فيها الفنانة الأشكال الهندسية كالمكعبات والدوائر والأسطوانات في الأسلوب الفني الإسلامي. تردد موضوع المرأة كثيرا في المعرض؛ فهي الحسناء التي تبحث دوما عن الربيع والحياة الجميلة. أبرزت الفنانة جمالها بطريقة حالمة قريبة من الأسطورة أكثر منها إلى الواقع، علما أن لوحات ك “صاحبة باقة الورد” و«الفنانة” تمثل الأحلام المشروعة للمرأة، التي تتطلع دوما لأن تكون مخلوقا كامل الحقوق، مثله مثل الرجل. هناك تجلس الكاهنة في شموخ على أرضها بلباسها التقليدي ونظرتها الثاقبة، لا تبدو عليها علامات الضعف ولا سمات الأنثى المستسلمة. امتد المعرض ليرصد مجتمعات أخرى، حيث خصصت الفنانة لوحة للعاصمة “طوكيو” في الأسلوب التجريدي دائما، امتدت فيها الألوان متشابكة متجهة نحو الأعلى؛ وكأنها غطاء لأطياف بشر وعمران مغطاة باللون الأصفر؛ كدليل على الجنس الأصفر المعروف بتحدياته وإنجازاته. حضرت القارة السمراء التي مثلتها المرأة الإفريقية الأنيقة والأصيلة ذات اللباس التقليدي الجميل والحلي الذهبية التي تزيّن معصميها، مستمتعة بفتنة الطبيعة العذراء، حيث جلست على حافة شلال وهي تدلدل قدميها الحافيتين. الفنانة استعانت في هذه اللوحة”الإفريقية” بأسلوب الرسم بالنار، والذي يبدي اللوحة وكأنها منقوشة، ناهيك عن الدقة في اختيار ومزج الألوان خاصة اللون الأسمر. نفس التقنية أُنجزت بها لوحة منمنمات، فجاءت على شكل قطعة من طاقم حلي مذهّب. يُختتم المعرض بالأمل الذي تعكسه امرأة عملاقة تسير وسط عتمة الليل في البراري الموحشة وهي تحمل فانوسا، وهي اللوحة التي جلبت أكثر من غيرها الزوار، إضافة إلى لوحة “هارمونيا” ذات الألوان الفاتحة والأشكال المختلفة المنسجمة، التي تدعو إلى التعايش والاستقرار رغم الاختلاف. للإشارة، فقد أقامت الفنانة العديد من المعارض بالعاصمة منذ سنة 1996، وتأمل أن تعرض عبر مختلف مناطق الوطن.